الشيعة والمعتزلة وحتّى أهل السنّة(١). إنّ فُن غرونبام(٢) سعى إلى إثبات أنّ معتقد (الصرفة) موجود في المسيحية بشكل أكثر وضوحاً ممّا عليه في الإسلام ، ويستشهد لإثبات ذلك بنماذج من فكر لاكتانتيوس (حدود ٢٣٠ ـ ٢٤٠ م) وهو من آباء الكنيسة(٣). ومن جانب آخر فإنّ محمّد أبا زهرة(٤) عثر على شاهد في مصنّفات أبي ريحان البيروني ـ تحقيق ما للهند ـ جعله يحتمل أنّ جذور هذا المعتقد يرجع إلى اعتقاد الهندوس بعدم إمكان تقليد كتابهم الديني(٥).
وليس من البعيد أنّ بعض الأدباء والمتكلّمين المعتزلة لا يرون فرقاً كبيراً بين القصائد العربية المعروفة وبين آيات القرآن من حيث النظم ، وذلك بسبب تذوّقهم وتضلّعهم الخاصّ في الأدب العربي ، حتّى أنّهم كانوا لا يعدّون الصياغة والنظم الظاهري للسور المدنية للقرآن أمراً صعباً ، لذلك فإنّهم لم ينسبوا عجز
__________________
غير معجز ، وإنّما وجه الدلالة منه على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما فيه من الإخبار عن الغيوب. وزعم أنّ العباد قادرون على مثل القرآن وعلى ما هو أفصح منه» (الملل والنحل : ٩٨ ؛ الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم : ١٢٨). وبعد قرنين نسب السخاوي (ت ٦٤٣ هـ) هذا الكلام إلى جميع المعتزلة (جمال القرّاء وكمال الإقراء ١/٢١٦).
(١) الشهرستاني (ت ٥٤٨ هـ) بعد أن أبدى توضيحاً في شأن اعتقاد أبي الحسن الأشعري بإعجاز القرآن قال : «ومن أصحابه من اعتقد أنّ الإعجاز في القرآن من جهة صرف الدواعي ، وهو المنع من المعتاد» (الملل والنحل ١/١١٦ ـ ١١٧).
(٢) Von Grunebaum, E١٢, ٣/١٠١٩.
(٣) عنوان (إعجاز) في دائرة المعارف الإسلامية ، ليدن : دار نشر بريل ، الطبعة الثانية ٣/١٠١٩.
(٤) المعجزة الكبرى : ٥٧ ـ ٥٨.
(٥) لأجل تحقيق ذلك ، انظر : القول بالصرفة في إعجاز القرآن : ٣٥ ـ ٣٧.