البشر إلى نفس الجملات والنظم والبلاغة القرآنية ، بل كانوا يرونه ناشئاً من قدرة الله في (صرف) همّة البشر وإرادته وعلمه عن القيام بذلك(١).
إنّ جان ونزبرو على الرغم من أنّه يصرّح في كتابه المطالعات القرآنية ـ بعد تحليل كثير ـ إنّ فكرة إعجاز القرآن لا شبيه لها في الأدبيّات الدينية اليهودية والربّانية(٢) إلاّ أنّه في نفس الوقت كان يصرّ على أنّ أصل التحدي في السياق القرآني لم يكن أمراً قد انفرد به القرآن ، فإنّنا نجد له نموذجاً مشابهاً في الثقافة اليهودية(٣) ، حيث يستند في أدلّته على ذلك بآية : (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَاب مِنْ عِندِ الله هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ) (القصص : ٤٩) وهي في عداد الآيات المكّية. من جانب آخر فإنّه يعتقد أنّ طرح فكرة (الصرفة) من جانب المعتزلة لها ارتباطٌ وثيق مع مسألة خلق وحدوث القرآن التي هي من وجهة نظرهم أمراً محوريّاً وفي غاية الأهمّية ، لذا فإنّه يرى أنّ النصّ القرآني بالنسبة للباري يعدّ أمراً عرضيّاً (وإنّ كلام الله من أفعال الله وليس من صفات ذاته) ، فإنّ الألفاظ الموجودة في القرآن بحدّ
__________________
(١) إنّ أوّل من نُسبت إليه نظرية (الصرفة) النظّام ومن جملة من نسبها إليه أبو الحسن الأشعري وعبد القاهر البغدادي وهناك إشارات بل تصريح في الكثير من المؤلّفات بذلك ، ومن جميع المذاهب والفرق ، مثل الجاحظ (ت ٢٥٥ هـ) ، علي بن عيسى الرمّاني (ت ٤١٨ هـ) ، الشيخ المفيد (ت ٤١٣ هـ) ، الشريف المرتضى (م ٤٣٦ هـ) ، أبو الصلاح الحلبي (ت ٤٤٧ هـ) ، ابن سنان الخفاجي (ت ٤٦٦ هـ) ، ابن حزم الأندلسي (ت ٤٥٦ هـ).
للحصول على نماذج من هذه الإشارات انظر : الموضح عن وجه إعجاز القرآن : ٣٦ ـ ٣٧ و٤٦ ـ ٤٧ ؛ المنقذ من التقليد ١/٤٦٠ فما بعد.
(٢) Wansbrough, p.٨١.
(٣) Ibid, p.٧٩.