ذاتها تحوي جوانب أدبيّة وبلاغيّة ليست فوق طاقة البشر(١). وفي نهاية المطاف فإنّ ونزبرو يشير إلى أمر مهمّ وهو أنّ آراء المعتزلة في هذا الباب غالباً ما رواها لنا مخالفوهم ممّن انتصر عليهم ، لذا لا يمكن أن نحصل على صورة واضحة لآرائهم في باب (الصرفة) بشكل صحيح ، فهل كانت هي نوعاً من ردّة الفعل من قبلهم على بعض الآراء العلمية الموجودة في المجتمع الإسلامي وغير الإسلامي آنذاك ، أم أنّها كانت من ابتكارهم لحلّ مسألة أدلّة نبوّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وحقّانية دين الإسلام(٢).
إنّ ما غرسه المعتزلة من بذور التنظير في باب إعجاز القرآن سرعان ما أخرج شطأه في أواسط النصف الثاني من القرن الثالث ؛ وإنّ الجاحظ (ت ٢٥٥ هـ) يقول بأنه صنّف كتاباً بعنوان نظم القرآن حيث تناول فيه الردّ على آراء النظّام ، كما قد أجاب فيه على ادّعاءات سائر المخالفين للمعتزلة ومن جملتهم أهل الحديث والشيعة والحشوية(٣). مع كلّ ذلك فإنّه في بعض مصنّفاته مثل (الحيوان ، ٤/٣٠٥ ؛ ٦/٤٤٥) لم يتمكّن من التخلّص كلّياً من هيمنة نظرية (الصرفة) (٤). وفي هذا البين جاءت الانتقادات الشديدة من قبل أبي الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق ـ
__________________
(١) قارن : مقالات الإسلاميين : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
(٢) Wansbrough, p.٨٢.
(٣) رسائل الجاحظ الكلامية : ١٦٦. لم تصلنا من هذا الكتاب نسخة قط ، والذي وصلنا منه إنّما هي فصول أعاد ترتيبها سعد عبد العظيم محمّد تحت عنوان (نظم القرآن) اقتبسها من سائر آثار الجاحظ ومن بعض النقولات المتأخّرة.
(٤) لاحظ : قضيّة إعجاز القرآن عند الجاحظ : ٦٣٤ ـ ٦٣٧.