ثمّ يقدّم كتاب الدراية أوّلاً ثمّ كتاب الرجال ، ويقول : «أنّ سبب تقديم كتاب الدراية بسبب تقدّم علم الدراية فضلاً على علم الرجال».
فيتناول في المقدّمة بيان حقيقة علم الدراية ، وموضوعه ، وغايته. فيقول : «أصل الدراية : العلمُ مطلقاً ، أو بعد الشكّ. ونُقل هنا إلى علم أصول الحديث ، وخُصّ به اصطلاحاً ، ولذلك ساغ بعد صيرورته علماً لهذا العلم إضافة العلم إليه ، وإلاّ لكان من إضافة الشيء لنفسه»(١).
ثمّ قال : «وقد عُرّف في الاصطلاح بأنّه : علمٌ يبحث فيه عن متن الحديث ، وسنده وطرقه من صحيحها وسقيمها وعليلها ، وما يحتاج إليه لِيُعرف المقبول منه من المردود ، عرّفه به الشهيد الثاني في بداية الدراية.
وعرّفه شيخنا البهائي في الوجيزة بأنّه : علمٌ يبحث فيه عن سند الحديث ، ومتنه وكيفية تَحمّله ، وآداب نقله.
وهذا أجود من سابقه ؛ لأنّ كيفية التحمّل وآداب النقل من مسائل هذا العلم ، وإدراجهما في قوله : ما يحتاج إليه في تعريف البداية يحتاج إلى تكلّف»(٢).
«وبعبارة أخرى : علم الرجال يبحث فيه بحثاً صغرويّاً ، بخلاف علم الدراية فإنّه يبحث فيه بحثاً كبرويّاً ، إذ يُستعلم منه أنّه كلّما كانت الرواة بصفة كذا فحكمه كذا ، وعلى هذا فبينهما تباين ، ويشهد بما ذُكِرَ أنّهم قد أخذوا في
__________________
(١) مقباس الهداية ١ / ٤٠ ـ ٤١.
(٢) مقباس الهداية ١ / ٤١ ـ ٤٢.