فإنّهم كانوا من ابناء الزمان ، و عاشورا في هذا الدهر الخوّان ، و سلكوا مسالك الرحمن ، وافتتنوا بحوادث الأيام و نوائب الدوران ، و أصبحوا و أمسوا بعبادة ربّهم مدّة حياتهم ، ثم صاروا رهائن القبور ، و ضجائع التراب و الصخور ، فأصبحوا بنعمة إخواناً على سرر متقابلين ، و لم يبق لهم في هذه الحياة الدنيوية إلّا تلك الآثار المطهرة ، و المآثر المنوّرة ، فطوبي لهم و حسن مآب .
و طال تفكّري في هذا المرام أُقدم رِجلاً و أُؤخّر اُخرى ، لعلمي ببضاعتي المزجاة ، و أنّى لي و الفوز بذلك المقصد العالي من دون سُلّم و مرقاة ، مع فقد الأسباب و الكتب المعينة في هذا الباب ، و عدم الناصر و المعين ، و بُعد داري و بلدي من العلماء العالمين المبرزين في ذلك المضمار ، لأستفيد من بركاتهم و إفاداتهم ما هو كالمصباح في تلك الليلة الظماء .
فتوكّلت على الله تعالى و استخرت و تفاءلت بكلامه و كتابه العزيز ، حيث الآتي بهذه الآية الكريمة : ( وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ ) (١) في أول ما يرى ، فرأيت أنّ هذه الآية كأنّه وحي أوحي إلّي من السماء .
و شرعت في المقصود ، بعناية ربّي المقصود المعبود ، فأقول :
أعتذر إلى إخواني المؤمنين أن الإطلاع على أحوال العلماء و مصنّفاتهم أمر عسير ، لا يتيسر لكلّ احد فضلاً من هذا العبد الفقير الحقير ، لانتشارهم في كلّ قرن في مشارق الأرض و مغاربها ، و أقاصي البلاد و نواحيها ، و كثرة
__________________
عمر من كان قبلي ، فقد نظرت في أعمارهم و فكّرت في أخبارهم ، و سرت في آثارهم ، حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إليّ من اُمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم ، فعرفت صفو ذلك من كدره ، و نفعه من ضرره » إلى آخر الخبر . (منه قده) .
نهج البلاغه ٣ : ٤٦ خطبة ٣١ ، و فيه : نظرت في أعمالهم .
(١) طه ٢٠ : ١٣ .