بمعرفته ، وكان وجه التعريف من جهة لا يدركها الإنسان باجتهاده وهمّته فإنّه يعرف وقت المعرفة بذلك السلطان أو ما قارب ذلك الزمان ، وإنّما اللّه جلّ جلاله يسلك بالعبد الضعيف إلى التعريف تسليكا يقصر فهمه عنه ، فلذلك لا يعرف وقت المعرفة ولا ما قرب منه .
قال : واعلم أنّ قولي هذا هو ممّا أقصد به أنّ النظر في الجواهر والأجسام والأعراض لا يجوز أو أنّه ما هو طريق إلى المعرفة على بعض الوجوه والأغراض ، بل هو من جملة الطرق البعيدة والمسالك الخطيرة الشديدة التي لا يؤمن معها ما يخرج بالكلية منها .
وقد كان لنا صديق فاضل من المتعلّمين بعلم الكلام ـ رحمه اللّه ورضي عنه ـ يحضر عندنا ونحدّثه ونعرّفه أنّ طرق المعرفة باللّه جلّ جلاله بحسب معلوماته ومقدوراته على الأنام ولا ينحصر عددها بالافهام ، فتعجّب لأجل ما قد ألفه من أنّ معرفة اللّه جلّ جلاله لا طريق إليها إلّا بنظر العبد .
فقلت له يوما : ما تقول في عيسى بن مريم عليهما السلام لما قال في المهد : « إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا » (١) كانت معرفته باللّه جلّ جلاله في مهده بنظره ؟ فتحيّر وعجز عن الجواب .
وقلت له يوما : ما تقول في الناظر في معرفة اللّه جلّ جلاله أما يكون في أول نظره شاكا في اللّه جلّ جلاله ؟
قال : بلى .
قلت : أفتقول أنّ النبي محمدا ووصيّه عليا عليهما السلام مضى عليهما زمان شكّ في اللّه جل جلاله ؟
فقال : غلبتني ما أقدر أقول هذا ، وهو خلاف المعلوم من حالهما .
فقلت له : وأقول زيادة ، هب أنّك توقفت عن موافقتي لأجل اتباع عادتك أما تعلم أنّ العقل ـ الذي هو النور الكاشف عن المعارف ـ ما هو من كسبك ولا من قدرتك ، وأنّ الآثار التي تنظر فيها ما هي من نظرتك ، وأنّ العين التي تنظر بها ما هي من خلقتك ، وأنّ البقاء الذي تسعى فيه لنظرك وكلّ ما أعانك على تفكرك (٢) ما هو من تدبيرك ولا من مقدورك ، وأنّه من اللّه جلّ جلاله .
قال : بلى ، ثمّ قال : ولكن متى قلت أنّ المعرفة باللّه جلّ جلاله لا تكون بنظر العبد ما يبقى له
______
( ١ ) ـ مريم ١٩ : ٣٠ .
( ٢ ) ـ في « ح » وكشف المحجة : نظرك .