منه ، وقرأت منه كتبا ، ثمّ رأيت ما أغنى عنه ، وقد ذكرت في خطبة كتاب « البهجة لثمرة المهجة » كيف اشتغلت فيه وعلى من اشتغلت في معانيه ، وما الذي صرفني عن ضياع عمري في موافقة طالبيه ، ولكن اعرف يا ولدي انّ المبتدي إذا قال له الأستاذ : لا طريق لك إلى معرفة اللّه إلّا بنظرك في الجوهر والجسم والعرض ـ كما كنّا أشرنا إليه ـ وأنّ حدوث الجسم لا يثبت إلّا بالحركة والسكون ، فإنّ المبتدئ أيضا ما يفهم بفطرته زيادة هذه الأعراض على الأجسام ، ولا له دربة بهذا الكلام ولا يرى بعين رأسه وإحساسه زيادة الحركة والسكون على الجسم المنتقل في الجهات ، إلّا بأن يتعب في إنفاق كثير من الأوقات في تصوّر حد الجسم ، وتصور العرض وتحقيق زيادته على الأجسام ، وحفظ ما يتعلق بذلك كلّه من معنى وكلام .
وربما وجدت الأستاذ عاجزا في حدود هذه المعاني المذكورة غير أن يعبر بألفاظها المعهودة المذخورة حتى يكاد أن يقلّد قائلها وناقلها ، ويحتجّ بأنّها قول فلان وفلان وقولهم كالحجّة في معانيها ، ثمّ إذا فهم من أستاذه زيادة الحركة على الأجسام فإنّه ما يكاد يفهم زيادة السكون على الجسم في ظاهر أوائل الأفهام ، ولا يدرك على التعجيل من أن يلزم من حدوث الحركة والسكون حدوث الجسم العريض الطويل العميق ، فلا يزال غالب حاله يخبط خبط عشواء في أدلّتهم ومعارضتها بشبهات احتمالات الأهواء ، حتى يتمخّض اجتهاده عن رجحان ظن أو اعتقاد ضعيف ، ومتى عرض له طعن قوي أعاده ذلك الطعن إلى الاستدلال والتكشيف ، فتراه متردّدا في العقائد بين ساكن وعائد ، إلى أن يموت لعلّه يجوز حدوث القوادح وقد كان [ له ] (١) قبل ذلك التعليم ـ لسكونه إلى معرفة اللّه (٢) جملة ـ سكون اعتقاد قوي راجح ، وكان آمنا كما صار لا يأمن من تجدّد المطاعن والمعارضات والقوادح .
قال رحمه اللّه : وممّا ينبّهك يا ولدي على ما ذكرت بالعقل من طريق النقل عن سلفك الطاهرين أئمة الفضل ، ما رويته من « كتاب أبي محمد عبد اللّه بن حماد الأنصاريّ » من أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام ، ونقلته من أصل قري على الشيخ الصدوق ، الذي ذكر جدك أبو جعفر الطوسي أنّه لم يكن له نظير في زمانه ، وهو هارون بن موسى التلعكبري تغمّده اللّه جلّ جلاله برضوانه ، تاريخه سنة ستّ وسبعين وثلاثمائة ، وهو أستاذ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ضاعف اللّه جلّ جلاله لهما تحف الرضوان ، أروي كلّ ما رواه بعدّة طرق ، منها : من أصل « كتاب عبد اللّه بن حماد » المشار إليه ما هذا لفظه :
______
( ١ ) ـ أثبتناه ليستقيم السياق .
( ٢ ) ـ في كشف المحجة : المؤثر