فلم ينه ، فهل ذلك كما تأوّلوا أولا ؟ فكتب عليه السلام : « المحسن وغير المحسن لا يتكلّم فيه ، فإنّ إثمه أكبر من نفعه » (١) .
قال السيد رحمه اللّه : « إنّني وجدت مثال شيوخ المعتزلة ومثال الأنبياء عليهم السلام مثل رجل أراد أن يعرّف غيره أنّ في الدنيا نارا موجودة ، وذلك الرجل الذي يريد أن يعرف وجودها قد رأى النار في داره وفي البلاد ظاهرة كثيرة بين العباد ، وما يحتاج من رآها في (٢) المعرفة بها إلى نظر ولا اجتهاد ، فقال له : هذا يحتاج في معرفته إلى إحضار حجر النار وهو في طريق مكة ، لأنّه ليس كل حجر في باطنه نار ويحتاج إلى مقدحة ويحتاج إلى حراق (٣) ، وأن يكون الإنسان في موضع سليم من شدّة الهواء لئلّا يذهب بالحراق ويطفئ ما يخرج من الحجر من النار ، فاحتاج هذا المسكين إلى تحصيل هذه الآلات من عدّة جهات وبعدّة توسّلات ، ولو كان قد قال له من مبدأ الأمر : هذه النار الظاهرة بين العباد هي النار الكامنة في الحجر والشجر ، كان قد عرف وجود النيران على العيان والوجدان ، واستغنى عن ترتيب الدلالة (٤) وتحصيل البرهان .
وكلّ من عدل في التعريف عن الأمر المكشوف إلى الأمر الخفيّ اللطيف فهو حقيق أن يقال : قد أضلّ ولا يقال : قد هدى ولا قد أحسن فيما استدل .
قال : وكلّ عاقل يعلم فيما عاينه من زيادات الأجسام في الإنسان والشجر وكلّما يزداد عظما وكبرا بين الأنام مثل النطفة التي يصير منها إنسان ، ومثل النواة التي يكون منها نخلة عظيمة الشأن ، ومثل نوى الشجرة يصير منها شجرة كبيرة عظيمة الأغصان ، فكلّ عارف بها بالمشاهدة يعلم أنّ هذه الزيادات حادثات بالضرورة ، فكيف يعدل عن تعريف حدوثها بمثل هذا التحقيق إلى الحركة والسكون ، وهما عرضان غير مشاهدين ، ولا يعرف حقائقهما وما يلزم من حدوثهما إلّا بنظر دقيق ، وقطع عقبات قليلة التوفيق .
وإنّما كان يحتاج الإنسان مع ما يعرفه من حدوث الأجسام [ الظاهرة بالعيان الزائدة إلى ثبوت تماثل الأجسام ] ليعلم أنّ الذي حضر منها وغاب كلّه حادث بشهادة العقول والأفهام ، وذلك يعرف بأدنى تعريف ، وما يحتاج إلى التطويل في التكشيف ، لأنّ العقل شهد أن كلّ جسم مؤلّف ، وكلّ مؤلّف فإنّه لا بدّ أن يكون عريضا عميقا بحسب تأليفه ، ومتى خرجت حقيقة
______
( ١ ) ـ رواه الصدوق في التوحيد : ٤٥٩ / ٢٦ ، ونقله المصنف « قدّس سرّه » في المحجّة البيضاء ١ : ١٠٨ .
( ٢ ) ـ في كشف المحجّة : إلى .
( ٣ ) ـ الحرّاق والحراقة : ما تقع فيه النار عند القدح ، والعامة تقوله بالتشديد « الصحاح ـ حرق ـ ٤ : ١٤٥٨ » .
( ٤ ) ـ في كشف المحجّة : الآلات .