أوجب عليهم من فرائض اللّه جلّ جلاله ، ولقد رأيت في عمري ممّن ينسب إلى علم الكلام وقد أعقبهم ذلك العلم شكوكا في مهمّات من الإسلام .
وممّا يؤكد تصديق الروايات بالتحذير من علم الكلام وما فيه من الشبهات أنّني وجدت الشيخ العالم في علوم كثيرة القطب الراوندي ـ واسمه سعيد بن هبة اللّه ـ رحمه اللّه ـ قد صنّف كرّاسا وهي عندي الآن في الخلاف الذي تجدّد بين الشيخ المفيد والمرتضى رحمهما اللّه ، وكانا من أعظم أهل زمانهما ، وخاصة شيخنا المفيد ، فذكر في الكرّاس نحو خمس وتسعين مسألة قد وقع الخلاف بينهما فيها في علم الأصول ، وقال في آخرها : « لو استوفيت ما اختلفا فيه لطال الكتاب » وهذا يدلّك على أنّه طريق بعيد في معرفة ربّ الأرباب » (١) .
أقول : وممّا يزيد ذلك تأكيدا التعليقات التي كتبها الشيخ المفيد رحمه اللّه على إعتقادات الصدوق أبي جعفر بن بابويه طاب ثراه ، فإنّه خالفه فيها في كثير من العقائد الدينية وطعن فيه لأجلها ، وبالغ في ذلك (٢) .
وممّا يدلّ على مذمّة الكلام ، ما قاله أمير المؤمنين علي عليه السلام : « من طلب الدين بالجدل نزندق » (٣) .
وقال الصادق عليه السلام : « يهلك أصحاب الكلام وينجو المسلّمون ، إنّ المسلّمين هم النجباء » (٤) .
وعن محمد بن عيسى قال : قرأت في كتاب عليّ بن هلال (٥) أنّه سأل (٦) الرجل ـ يعني أبا الحسن عليه السلام ـ [ أنّه روي عن آبائك عليهم السلام ] (٧) أنّهم نهوا عن الكلام في الدين ، فتأوّل مواليك المتكلّمون بأنّه إنّما نهي من لا يحسن أن يتكلّم فيه ، فأمّا من يحسن أن يتكلّم فيه
______
( ١ ) ـ كشف المحجّة : ١٦ ـ ٢٠ .
( ٢ ) ـ انظر على سبيل المثال ص ٢٧ و ٣٤ و ٣٩ و ٥٩ و ٦٣ من كتاب تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد .
( ٣ ) ـ رواه الشيخ الصدوق في الاعتقادات : ٧٤ ، ونقله المصنف في المحجة البيضاء ١ : ١٠٧ .
( ٤ ) ـ رواه الصفار في بصائر الدرجات : ٥٢١ / ٤ ، والصدوق في التوحيد : ٤٥٨ / ٢٢ ، وأخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٢ .
١٣٢ / ٢٢ .
( ٥ ) ـ كذا في « ر » و « ح » ، وفي توحيد الصدوق : علي بن بلال ، والظاهر هو الصواب ، وهو علي بن بلال البغدادي ، انتقل إلى واسط ، روى عن أبي الحسن الثالث وله كتاب ، وثقه الشيخ وعدّه في رجاله من أصحاب الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام ، انظر « رجال النجاشي : ٢٧٨ / ٧٣٠ ، رجال الطوسي : ٤٠٤ / ١٧ و ٤١٧ / ٦ و ٤٣٢ / ٤ ، رجال الكشي :
٥١٢ / ٩٩١ ، معجم رجال الحديث ١١ : ٢٨١ » .
( ٦ ) ـ في « ر » و « ح » والمحجّة البيضاء زيادة : عن ، وما في المتن موافق لتوحيد الصدوق .
( ٧ ) ـ ما بين المعقوفين أثبتناه من توحيد الصدوق .