وهو موافق أيضا لشواهد العقل الصحيح .
وإن وردت الحادثة على العامّي رجع إلى من كان عالما بالكتاب والسنّة وأخبار أهل البيت عليهم السلام ناظرا فيها ، عارفا بأحكامها ، مؤيّدا من عند اللّه بالقوّة القدسيّة ، بصيرا بطرق كيفيّة العمل مع عدم النص أو اختلافه ، فيفتي له بالحكم إن كان بيّنا واضحا ، وإلّا فبكيفيّة العمل على ما فصّلناه ، وإن عيّن له العمل بأحد الأخبار في موضع التخيير جاز .
وأمّا الاعتماد على مجرّد الشهرة بين القوم من غير كتاب ولا سنّة ولا خبر معتبر ، أو على مجرّد اتفاق الآراء من غير سماع من المعصوم أو دليل فلا وجه له ، فضلا عن تتبّع المتشابهات من غير بيّنة من اللّه ، وعن الاستنباطات الظنيّة التي تختلف باختلاف الآراء ومقتضيات الأهواء التي فيها هلك من هلك ، وفي أمثالهم قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند إمامهم الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ! وكتابهم واحد ! ونبيّهم واحد ! أفأمرهم اللّه سبحانه بالاختلاف فأطاعوه ؟ أم نهاهم عنه فعصوه ؟ أم أنزل اللّه سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه ؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل اللّه سبحانه دينا تامّا فقصّر الرسول صلّى اللّه عليه وآله عن تبليغه وأدائه ؟ واللّه سبحانه يقول : « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » (١) وفيه تبيان لكلّ شيء ، وذكر أنّ الكتاب يصدّق بعضه بعضا ، وأنّه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه : « وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً » (٢) وانّ القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه » (٣) .
والأخبار في هذا المعنى عنه وعن ذريّته المعصومين عليهم السلام أكثر من أن تحصى .
وأمّا ما يقال من أنّه إذا اتفقت الامّة أو الطائفة على أمر (٤) كشف ذلك عن المعصوم فيهم لعدم خلوّ العصر عنه ، فكلام فرضيّ لا محصّل له ولا فائدة تترتّب عليه ، وإنّما قاله أصحابنا في مقابلة أهل الخلاف بعد ما أبطلوا دلائلهم على حجيّة الإجماع ، تنبيها لهم على أنّ الإجماع لو كان حجّة لكان حجّته من هذا الوجه لا ما زعمتموه من مجرّد اتفاق الآراء ، لأنّ هذا
______
( ١ ) ـ الأنعام ٦ : ٣٨ .
( ٢ ) ـ النساء ٤ : ٨٢ .
( ٣ ) ـ نهج البلاغة ١ : ٥٠ / ١٧ ، الاحتجاج : ٢٦١ ، وفيهما زيادة : « ولا تكشف الظلمات إلّا به » .
( ٤ ) ـ في هامش « ر » : من غير نصّ .