السبيل إلى معرفة الأحكام الشرعيّة وإحياء سنّة جدّك المحمديّة ، ويكون قصدك بذلك امتثال أمر اللّه جلّ جلاله في التعليم وسلوك الصراط المستقيم ، ولا تكن مقلّدا لغلمان جدّك من العوام ، وذليلا بين أيديهم لأجل الفتوى والاستفهام ، فما يقنع بالدون إلّا مغبون » .
أقول : أراد بالعوام من ليس من السادات بالنسب وإن كان عالما .
قال : واعلم أنّ جدّك ورّاما قدّس اللّه روحه كان يقول لي وأنا صبي ما معناه : يا ولدي مهما دخلت فيه من الأعمال المتعلّقة بمصلحتك لا تقنع أن تكون فيه دون أحد من أهل ذلك الحال ، سواء كان علما أو عملا ، ولا تقنع بالدون .
وذكر أنّ الحمصيّ (١) حدّثه أن لم يبق للإماميّة مفت على التحقيق ، بل كلّهم حاك ، وكان ذلك الزمان فيه جماعة من أصناف العلماء ، وليس في وقتنا الآن من يقاربهم في تلك الأشياء ، وأنا أعتذر لهم بطول الغيبة وتباعد الزمان عن الأدلّاء الذين كانوا رحمة للّه جلّ جلاله في حفظ واشتغال وادراك ، والآن فقد ظهر أنّ الذي يفتى به ويجاب عنه على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدّمين ، وهذا طريق سهل ما يعجز عنه إلّا مسكين ، ومن همّته همّة ضعيف مهين .
وإنّي لأعلم أنّني اشتغلت فيه مدّة سنتين ونصف على التقريب والتقدير ، وما بقيت أحتاج إلى ما في أيدي الناس إلى قليل وإلى كثير ، وكلّما اشتغلت بعد ذلك فيه ما كان لي حاجة إليه ، إلّا لحسن الصحبة والانس والتفريع فيما لا ضرورة إليه ، ومن يعلم أنّ عمره يسير وقصير ، وأنّ وراءه من (٢) يحاسبه على الكبير والصغير والظاهر والمستور ، فإنّه يكفيه من الزاد بقدر السفر والمسير .
وإذا أردت الاشتغال بالفقه فعليك بكتب جدّك أبي جعفر الطوسيّ رضي اللّه عنه ، فإنّه ما قصّر فيما هداه اللّه جلّ جلاله إليه ودلّه عليه » (٣) .
أقول : وذلك لأنّ أكثر ما أورده الشيخ الطوسي رحمه اللّه في كتبه وأفتى فيها به فإنّما أخذه من متون أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، وإنّما عدّ السيّد رحمه اللّه طريق التفقّه في الفروع سهلا
______
( ١ ) ـ سديد الدين محمود بن علي بن الحسن الحمصي الرازي ، علامة زمانه في الأصوليين ، ورع ثقة ، له تصانيف كثيرة منها :
التعليق الكبير العراقي ، والتبيين والتنقيح وغيرها . وذهب صاحب الروضات إلى أن نسبه « الحمضي » بالضاد المعجمة ، بقرينة ما ورد في القاموس المحيط ـ مادة حمض ـ من قوله : « ومحمود بن علي الحمصي ضمّتين مشدّدة ، متكلم شيخ للفخر الرازي » واعتبرها من جملة فرائد فوائد كتابه ، وردّه الشيخ النوري في خاتمة المستدرك ببيان مفصل ، قال في آخره : فظهر بهذه السبع الشداد أن ما حقّقه من أفحش أغلاط كتابه . انظر « أمل الآمل ٢ : ٣١٦ ، رياض العلماء ٥ : ٢٠٢ ، القاموس المحيط ٢ : ٣٤١ ، روضات الجنات ٧ : ١٥٨ / ٦١٨ ، مستدرك الوسائل ٣ : ٤٧٨ ، الكنى والألقاب ٢ : ١٧٢ » .
( ٢ ) ـ في « ر » و « ح » : ما ، وما أثبتناه من كشف المحجة .
( ٣ ) ـ كشف المحجة : ١١٩ ـ ١٢٧ .