عقول العقلاء ، فجعلني من جواهر وأعراض وعقل روحاني ونفس وروح ، فلو سألت بلسان الحال الجواهر التي في صورتي : هل كان لها نصيب في خلقي وفطرتي ؟ لوجدتها تشهد بالعجز والافتقار ، وأنّها لو كانت قادرة على هذا المقدار ما اختلفت عليها الحادثات والتغيّرات والتقلّبات ، ووجدتها معترفة أنّها ما كان لها حديث (١) في تلك التدبيرات ، وأنّها ما تعلم كيفية ما فيها من التركيبات ، ولا عدد ولا وزن ما جمع فيها من المفردات .
ولو سألت بلسان الحال الأعراض ، لقالت : أنا أضعف من الجواهر لأنّني فرع عليها ، فأنا أفقر منها لحاجتي إليها .
ولو سألت بلسان الحال عقلي وروحي ونفسي ، لقالوا جميعا : أنت تعلم أنّ الضعف يدخل على بعضنا بالنسيان وبعضنا بالموت وبعضنا بالذلّ والهوان ، وأنّنا تحت حكم غيرنا ممّن يقلّبنا كما يريد من نقص إلى تمام ومن تمام إلى نقصان ، ويقلبنا كما يشاء مع تقلّبات الأزمان .
فإذا رأيت تحقيق هذا من لسان الحال ، وعرفت تساوي الجواهر والأعراض ، وتساوي معنى العقول والأرواح والنفوس في سائر الموجودات والأشكال ، تحقّقت أنّ لها جميعا فاطرا وخالقا منزّها عن عجزنا وافتقارنا وتغيراتنا وانتقالاتنا وتقلّباتنا ، ولو دخل عليه نقصان في كمال أو زوال كان محتاجا ومفتقرا مثلنا إلى غيره بغير إشكال ، وقد تضمّن ما ذكرت لك كتاب اللّه جلّ جلاله وكتبه التي وصلت إلينا وكلام رسول ربّ العالمين وكلام أبيك أمير المؤمنين وكلام عترتهما الطاهرين من التنبيه على دلائل معرفة اللّه جلّ جلاله بما في بعضها كفاية لذوي الألباب وهداية إلى أبواب الصواب .
فانظر في كتاب « نهج البلاغة » وما فيه من الأسرار ، وانظر « كتاب المفضل بن عمر » الذي أملاه عليه مولانا الصادق عليه السلام فيما خلق اللّه جلّ جلاله من الآثار ، وانظر « كتاب الإهليلجة » وما فيه من الاعتبار ، فإن الاعتناء ( بقول سابق ) (٢) الأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم أفضل السلام موافق لفطرة العقول والأحلام .
قال السيّد رحمه اللّه : وإيّاك وما عقدت المعتزلة ومن تابعهم على طريقتهم البعيدة من اليقين ، فإنّني اعتبرتها (٣) فوجدتها كثيرة الاحتمال لشبهات المعترضين ، إلّا قليل منها سلكه أهل الدين .
______
( ١ ) ـ في كشف المحجّة زيادة : يفترى .
( ٢ ) ـ في « ر » و « ح » : بسابق ، وما أثبتناه من كشف المحجّة .
( ٣ ) ـ في كشف المحجّة : قرأتها .