ومغيّر المتغيّرات ومقلّب الأوقات ، وترى علوم سيدنا خاتم الأنبياء وعلوم من سلف من الأنبياء صلوات اللّه عليه وعليهم على سبيل كتب اللّه جلّ جلاله المنزلة عليهم في التنبيه اللطيف والتشريف بالتكليف ، ومضى على ذلك الصدر الأول من علماء المسلمين إلى أواخر أيام من كان ظاهرا من الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين ، فإنّك تجد من نفسك بغير إشكال أنّك لم تخلق جسدك ولا روحك ولا حياتك ولا عقلك ولا ما خرج من اختيارك من الآمال والأحوال والآجال ، ولا خلق ذلك أبوك ولا أمّك ولا من تقلّبت بينهم من الآباء والامّهات ، لأنّك تعلم يقينا أنّهم كانوا عاجزين عن هذه المقامات ، ولو كان لهم قدرة على تلك المهمّات ما كان قد حيل بينهم وبين المرادات وصاروا من الأموات ، فلم يبق مندوحة أبدا عن واحد منزّه عن إمكان المتجددات خلق هذه الموجودات ، وإنّما تحتاج إلى أن تعلم ما هو عليه جلّ جلاله من الصفات .
ولأجل شهادة العقول الصريحة والأفهام الصحيحة بالتصديق بالصانع أطبقوا جميعا على فاطر وخالق ، وإنّما اختلفوا في ماهيّته وحقيقة ذاته وفي صفاته بحسب اختلاف الطرائق » (١) .
أقول : ولأجل ذلك أيضا ترى الناس عند الوقوع في الأهوال وصعاب الأحوال يتوكّلون بحسب الجبلّة على اللّه ، ويتوجهون توجّها غريزيّا إلى مسبّب الأسباب ومسهّل الأمور الصعاب وإن لم يتفطّنوا لذلك ، قال اللّه تعالى : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ » (٢) ، وقال عزّ وجلّ : « قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ » (٣) .
وفي « تفسير مولانا العسكري عليه السلام » : « أنّه سئل الصادق عليه السلام عن اللّه تعالى ، فقال للسائل : يا عبد اللّه ، هل ركبت سفينة قط ؟ قال : بلى ، قال : فهل كسرت بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ؟ قال : بلى ، قال : فهل تعلّق قلبك هناك أنّ شيئا من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك ؟ قال : بلى ، قال الصادق عليه السلام : فذلك الشيء هو اللّه القادر على الإنجاء حين لا منجي ، وعلى الإغاثة حين لا مغيث » (٤) .
قال السيّد رحمه اللّه : « وإنّني وجدت قد جعل اللّه جل جلاله في جملتي حكما أدركته
______
( ١ ) ـ كشف المحجّة : ٧ .
( ٢ ) ـ لقمان ٣١ : ٢٥ .
( ٣ ) ـ الأنعام ٦ : ٤٠ ـ ٤١ .
( ٤ ) ـ تفسير الإمام العسكري عليه السلام : ٧ ، معاني الأخبار : ٤ / ٢ .