قيل : أسلم بعد واحد وثلاثين إنسانا ، وكان هو الثاني والثلاثين .. إلى أن قال : وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يسمّيه : أبا المساكين ، وكان أسنّ من عليّ عليه السلام بعشر سنين ، وأخوه عقيل أسنّ منه بعشر سنين ، وأخوهم طالب أسنّ من عقيل بعشر سنين .. إلى أن روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال : رأيت جعفرا يطير في الجنّة مع الملائكة .. إلى أن نقل أنّه يوم مؤتة اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم تقدّم فقاتل حتى قتل ، قال ابن إسحاق : فهو أوّل من عقر في الإسلام. ولمّا قتل جعفر ، قطعت يداه ، والراية معه لم يلقها ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أبدله اللّه جناحين يطير بهما في الجنّة ، ولمّا قتل وجد به بضع وسبعون جراحة ، ما بين ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، كلّها فيما أقبل من بدنه .. إلى أن قال : وكان عمر جعفر لمّا قتل إحدى وأربعين سنة. هذا ما في اسد الغابة ملخصا.
وقد وردت أخبار (١) في أنّه لما رفعوه على الرماح ، منّ اللّه عليه
__________________
جعفر عن يسار محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فلمّا صاروا ثلاثة تقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وتأخر الأخوان ، فبكى أبو طالب ، وقال ـ كما في عمدة الطالب أيضا : ٢٣ في شعر أبي طالب مخاطبا ابنيه عليا وجعفرا عليهما السلام ـ :
إنّ عليّا وجعفرا ثقتي |
|
عند ملمّ الخطوب والنوب |
لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما |
|
أخي لأمّي من بينهم وأبي |
واللّه لا أخذل النبي ولا |
|
يخذله من بني ذو حسب |
فذكر الرواة أنّ جعفرا أسلم منذ ذلك اليوم ؛ لأنّ أباه أمره بذلك وأطاع أمره ، وأبو بكر لم يقدر على إدخال ابنه عبد الرحمن في الإسلام ..
وفي أسنى المطالب : ٦ ـ بعد أن ذكر الأخبار الصريحة في إيمان أبي طالب رضوان اللّه تعالى عليه ـ قال : فلو لا أنّه مصدّق بدينه لما رضي لابنيه ، جعفر وعلي أن يكونا معه وأن يصلّيا معه ، بل ولا كان يأمرهما بالصلاة ، فإنّ عداوة الدين أشد العداوات كما قيل :
كل العداوات قد ترجى إماتتها |
|
إلاّ عداوة من عاداك في الدّين |
(١) ذكر هذه الخصيصة جمع كثير من العامّة والخاصّة بحيث لا يختلف فيها اثنان ، وصار يميز ويوصف به ، ويقال : جعفر الطيار.