أبا عبد اللّه ، وأبا المساكين ؛ لرأفته عليهم ، وإحسانه إليهم. وكان قد هاجر إلى الحبشة [فيمن هاجر إليها] ، ورجع منها ، فوصل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم فتح خيبر ، فقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحا ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟» ، و [لهذا] يقال لجعفر : ذو الهجرتين ؛ يعني هجرة الحبشة وهجرة المدينة.
ولمّا جهز النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أصحابه إلى مؤتة من أرض الشام ، أمّر عليهم زيد بن حارثة ، فإن قتل ، فجعفر بن أبي طالب ، فإن قتل ، فعبد اللّه بن رواحة. فاستشهد الثلاثة الأمراء ، ولمّا رأى جعفر الحرب قد اشتدت ، والروم [قد] غلبت ، نزل (١) عن فرس له أشقر ، ثم عقره ، وهو أوّل من عقر في الإسلام ، وقاتل إلى أن قطعت يده اليمنى ، وأخذ الراية بيده اليسرى ، وقاتل إلى أن قطعت يده اليسرى أيضا ، فاعتنق الراية وضمّها إلى صدره حتى قتل ، ووجد به نيف وسبعون ، وقيل : نيف وثمانون ، ما بين طعنة وضربة ورمية ، ورأى [النبي] صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مصرعه ومصرع أصحابه. وقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «زارني جعفر في نفر من الملائكة له جناحان يطير بهما» ، ولهذا يقال له : ذو الجناحين. والطيّار في الجنّة ، وكان مقتله سنة ثمان من الهجرة ، وقيل : سنة
__________________
وقربه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقتضي ذلك ، ويشهد لذلك قول كعب بن مالك في رثاء جعفر عليه السلام أبياتا منها :
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم |
|
عند الحمام حفيظة أن ينكلوا |
إذ يهتدون بجعفر ولوائه |
|
قدام أولهم ونعم الأوّل |
حتى تفرقت الصفوف وجعفر |
|
حيث التقى دعث الصفوف مجدل |
فتغيّر القمر المنير لفقده |
|
والشمس قد كسفت وكادت تأفل |
(١) في عمدة الطالب : اقتحم ، بدلا من : نزل.