التوحيد :
فعلى صعيد البناء الفكري، والذي يعد مرتكزاً تنطلق منه كل الرسالات كقاعدة المشروع البناء الإنساني، نرى أن الإمام في هذا الكتاب يتصدى لبناء الصرح العقائدي من خلال العناية ببناء أركانه والتي أهمها مفهوم التوحيد، والذي يعد المحور الذي دارت حوله ودعت له الشرائع السماوية ، ومنه يتفرع النظام الفكري والتشريعي والعملي للإسلام بصفته خاتم الأديان .
بين الإمام عليهالسلام هذا المفهوم العميق بأسلوب دقيق ، متناولاً المسائل التي قد تتسرب إليها الشبهات والتي وقعت فيها الاختلافات ، فتفرعت منها الأفهام والمعاني وذلك للاختلاف في الأسس والمباني .
وانبرى لعلاج مسألة قائمة هي من أهم المسائل التي قد وقع فيها الاختلاف بين الفرق الإسلامية، والتي نشأت من التساؤل القائل : هل أن صفات الله سبحانه وتعالى عين ذاته، أم زائدة عليه ؟ ومن الجواب على هذا السؤال تتفرع المذاهب الكلامية ، ويأخذ كل ذي رأي منحاً خاصاً به ، يعتقد أنه هو الصواب ، معتقداً بذلك أنه يُدافع عن مفهوم التوحيد ، ولكنه يقع في مطبات تؤدي به إلى عكس ذلك ، كما هو الحال عندما يتناولون مفهوم الشفاعة والتوسل فيقعون بذات المطب المفضي لنفس النتيجة .
يطرح الإمام عليهالسلام الجواب، مبيناً فصل الخطاب ، وذلك عندما نطالع المقطع الأول لخطبته في التوحيد : ونظام توحيد الله تعالى نفي الصفات عنه ، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق ، وشهادة كل موصوف أن له خالفاً ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدوث، وشهادة الحدوث بالامتناع من الأزل