بل جزم الفاضل المحدّث النوري قدّس اللّه سرّه (١) بضعف حال الرجل حيث قال : لا تغرنّك الأعمال البدنية ، والعبادات العاديّة ، والإعراض عن الدنيا وزهرتها ، والتنسّك في طول الليالي وظلمتها ، دون أن تنظر إلى الاعتقاد الصحيح؛فإنّ الربيع بن خثيم ـ وهو من الزهّاد الثمانية ، [الذين عرفت أسمائهم] وكان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ـ بلغ في الزهد والعبادة غاية لم يبلغها أحد.
فقد روي (٢) أنّه لم يتكلّم بشيء من أمور الدنيا [منذ] عشرين سنة ، فقال يوما لبعض أصحابه : هل لكم مسجد في قريتكم؟ فقال له : نعم. فقال له : أبوك حيّ أم لا؟ .. ثمّ ندم على كلامه وخاطب نفسه قائلا : يا ربيع! سوّدت صحيفتك ، ثمّ لم يتكلّم بعد بشيء من امور الدنيا .. إلى أن قتل أبو عبد اللّه
__________________
(١) نفس الرحمن في فضائل سلمان : ٢٤٠ ـ ٢٤١ باختلاف يسير ، وجاء غالب هذا في كتاب مصباح الشريعة : ٦١ و ١٧٠ من الباب السابع والعشرين والباب الثمانون.
(٢) لا زال الكلام للمحدث النوري ، وفي صفة الصفوة ٦٤/٣ برقم ٤٠٣ ، قال : عن سفيان ، عن رجل من تيم اللّه ، عن أبيه ، قال : جالست الربيع بن خثيم سنين ، فما سألني عن شيء ممّا فيه الناس ، إلاّ أنّه قال لي مرّة ، أمّك حية؟ كم لكم مسجد؟
وفي رواية حلية الأولياء ١١٠/٢ برقم ١٦١ ، قال : جالست الربيع عشر سنين ، فما سمعت يسأل عن أمر الدنيا إلاّ مرّتين ، قال مرة : والدتك حيّة؟ وقال مرّة : كم لكم مسجد؟
أقول : إنّ تعاليم القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، ومنهاج أئمة الهدى ، هو الدين الصحيح الذي ارتضاه اللّه سبحانه لعباده ، وسنّة لهم لينالوا سعادة الدارين ، وكلّما تصفحت الكتاب المجيد والسنة الشريفة وسيرة الرسول والأئمة صلى اللّه عليهم أجمعين لم أجد ـ ولا يجد أحد من عباد اللّه ـ أنّ من التعاليم المقدّسة ، أو السيرة الشريفة الصمت ، وعدم الكلام ، ولم يشر أحد إلى أن من الزهد والورع السكوت. نعم؛الكلام بغير ما يرضي اللّه لا يجوز ، وكثرة الكلام مرجوح ، أما الصمت المطلق فهو خلاف الشريعة ، ومن مبتدعات المتصوفة ، ومخترعات أئمة الضلال.