والأُمورِ الّتي لا يبلُغُها وُسْعُهُ ، ومنه قيل للنَّفس : الكَذُوبُ.
وكَذَبَ هو نفسَهُ ، كضَرَبَ : حدَّثها بذلك.
والكَواذِبُ : الأمانيُّ التي لا يَظفَرُ بها صاحِبُها.
وكَذَبَ الأمرُ ، وكَذَبَكَ ، وكَذَبَ عليك : معناهُ : الإغراءُ ، أي الزَمْهُ وخُذْهُ ، ومنه قولهم : « كَذَبَ العَتيقُ » (١) ، أي اطلُبهُ ، وهو ضربٌ من التَّمر. « وكَذَبَ عليك العَسَلُ » : أي الزَمهُ ، يريد العَسَلانَ ؛ وهو سرعةُ المشي.
والرِّوايَةُ في كلٍّ منهما بالرَّفع والنَّصب ، فالرَّفعُ على الفاعليَّة لـ « كَذَبَ » ، والجملةُ صيغةُ إغراءٍ ؛ كقولهم : أمكَنَكَ الصَّيدُ ، أي ارْمِهِ ، والنَّصبُ على المفعوليَّةِ بـ « كَذبَ » و « كَذَبَ عليك » ؛ لأنَّهما اسما فعلٍ بمعنى الأمر.
ووجهُهُ أنَّ الكَذِبَ أهجَنُ الأُمورِ عندهُم فهو مِمَّا يُغْرَى بِصاحبه (٢) ويأخذه المَكْذُوب عليه ، فصار معنى « كَذَبَ فلانٌ » الإغراءَ به ، أي الزمهُ وخُذْهُ فإنَّهُ كَاذِبٌ ، فإذا قُرِنَ بـ « عليكَ » صارَ أبلغَ في الإغراءِ ، كأنَّك قُلتَ : افترى عليك فَخُذهُ ، ثمَّ استُعمِلَ في الإغراءِ بكلِّ شيءٍ وإن لم يكن ممَّا يصدر منه الكَذِبُ.
هذا أسَدُّ الأقوال في هذِه الكلمة على اضطِراب أقاويل العلماءِ فيها ، حتّى قيل : إنَّه من الكلام الذي درج ودرج أهلهُ ومن كان يَعلَمُهُ ، وأوهى الأقوال : أنَّ « كَذَبَ » بمعنى « وَجَبَ » (٣).
وكَذَبَ لبنُ النَّاقةِ ـ كضَرَبَ ـ وكَذَّبَ
__________________
(١) ومنه قول عنترة العبسيّ. وقيل لخُزَزَ بن لوذان السدوسيّ :
كذب العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٍ |
|
إن كُنْتِ سائِلتي غبوقاً فاذهبي |
انظر تهذيب اللّغة ١٠ : ١٧٢ واللّسان والمزهر ١ : ٦٧ و ٣٨٣.
(٢) في « ت » و « ج » : يعزى لصاحبه.
(٣) انظر تهذيب اللّغة ١٠ : ١٧٢.