٣ ـ كان لقضية الإفك في عصر الرسول دوىّ بين أعدائه ، فكان عدوّ اللّه « عبد اللّه بن أُبي » يشيع الفاحشة ويؤذي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقام رسول اللّه في الناس يخطبهم ، فحمد اللّه وأثنى عليه ـ ثم قال : « أيّها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق ، واللّه ما علمت منهم إلاّ خيراً ، ويقولون ذلك الرجل ، واللّه ما علمت منه إلاّ خيراً ، وما يدخل بيتاً من بيوتي إلاّ وهو معي ـ وكان كبر ذلك الإفك عند عبد اللّه بن أُبي بن سلول في رجال من الخزرج.
فلمّا قال رسول اللّه تلك المقالة ، قال « أسيد بن حضير » وكان أوسياً : يا رسول اللّه! إن يكونوا من الأوس نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك ، فواللّه إنّهم لأهل أن تضرب أعناقهم ، فقال سعد بن عبادة ـ وكان خزرجياً ـ : كذبت لعمر اللّه لا تضرب أعناقهم ، أما واللّه ما قلت هذه المقالة إلاّ أنّك قد عرفت أنّهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد : ولكنّك منافق تجادل عن المنافقين. وعندئذ تساور الناس حتّى كاد أن يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شرّ. وفي لفظ البخاري : فصار الحيّان الأوس والخزرج حتّى همُّوا أن يَقْتَتِلوا ورسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قائم على المنبر ، فلم يزل يخفّضهم حتّى سكتوا وسكت (١).
هذه نماذج من مواقف النبي الأعظم حيال الخلافات الّتي كانت تنشب أحياناً بين أُمّته وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصنع من الخلاف وئاماً ومن النزاع وفاقاً ، ويدفع الشر بقيادته الحكيمة ، وما هذا إلاّ لأنّ صرح الإسلام قائم على كلمتين : كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.
وهذا صنو النبي الأكرم ووصيه وخليفته ـ إذ حرم من حقّه المشروع ، وبدلت الخلافة التنصيصية إلى تداول الخلافة بين تيم وعدي ، ثم إلى أُمّية ـ قد
__________________
١ ـ السيرة النبوية ج ٣ ص ٣١٢ ـ ٣١٣ ، وصحيح البخاري ج ٥ ص ١١٩ باب غزوة بني المصطلق.