سقوط الخلافة العباسية بأيدي وحوش التتار
لم تستهل هذه السنة إلاّ وجنود التتار قد أحاطت ببغداد بصحبة الأميرين اللذين على مقدمة عساكر سلطان التتار ، هولاكوخان ، وقد جاءت إليهم أمداد صابح الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه ، وكل ذلك خوفاً على نفسه من التتار ، ومصانعة لهم قبّحهم اللّه تعالى ، وقد سترت بغداد ونصبت فيها المجانيق والعرادات وغيرها من آلات الممانعة الّتي لا ترد من قدر اللّه سبحانه وتعالى شيئاً ، كما ورد في الأثر « لن يغني حذر عن قدر » وكما قال تعالى : ( إنَّ أجَلَ اللّهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ ) (١) وقال تعالى : ( إنَّ اللّهَ لا يُغيِّرُ ما بِقَوم حتّى يُغيِّروا ما بأنفُسِهم وَإذا أرادَ اللّهُ بِقوم سُوءاً فَلا مَردَّ لَهُ وَمَا لَهم مِن دُونِهِ مِن وَال ) (٢). وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب حتّى أُصيبت جارية تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه ، وكانت من جملة خطاياه ، وكانت مولدة تسمى عرفة ، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة ، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً ، وأحضر السهم الّذي اصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب : « إذا أراد اللّه إنفاذ قضائه وقدره أذهب عن ذوي العقول عقولهم » فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز ، وكثرت الستائر على دار الخلافة وكان قدوم هولاكو خان بجنوده كلها ـ وكانوا نحو مائتي ألف مقاتل ـ إلى بغداد في ثاني عشر المحرم من هذه السنة.
ووصل بغداد بجنوده الكثيرة الكافرة الفاجرة الظالمة الغاشمة ، ممن لا يؤمن باللّه ولا باليوم الآخر ، فأحاطوا ببغداد من ناحيتها الغربية والشرقية ، وجيوش بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة ، لا يبلغون عشرة آلاف فارس ، وهم بقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتّى استعطى كثير منهم في الأسواق وعلى أبواب المساجد ، وانشد فيهم الشعراء قصائد يرثونهم ويحزنون على الإسلام وأهله.
ولما فتحوا البلد ، قتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء
__________________
١ ـ سورة نوح : الآية ٤.
٢ ـ سورة الرعد : الآية ١١.