عروشها ليس بها أحد إلاّ الشاذّ من الناس ، القتلى في الطرقات كأنّها التلول ، وقد سقط عليهم المطر فتغيّرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد ، وتغيّر الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد ، حتّى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام; فمات خلق كثير من تغيّر الجو وفساد الريح ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والطعن والطاعون فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.
ولما نودي ببغداد الأمان ، خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنّهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم ، وقد أنكر بعضهم بعضاً فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى ، واجتمعوا تحت الثرى بأمر الّذي يعلم السرّ وأخفى اللّه لا إله إلاّ هو له الأسماء الحسنى ، وكان رحيل السلطان المسلّط هولاكوخان عن بغداد في جمادي الأُولى من هذه السنة ( ٦٦٦ هـ ) إلى مقر ملكه (١).
ثم امتدّت الهجمات بعد سقوط بغداد حتّى وصل جيش العدو إلى عين جالوت وغزة في فلسطين ، وكانت الأُمنية الكبرى للعدو هي الاستيلاء على الشامات ثم مصر ، ولكن الزحف توقف بتدبير الملك الظاهر بيبرس ( ٦٥٩ ـ ٦٧٦ هـ ) ولكن العدو حاول الاستيلاء ثانياً على الشامات ... (٢).
وهذا اليافعي يتتبّع مسير التتار وهجومهم ، فيقول في حوادث عام ٧٠٠ هـ :
« حصلت أراجيف بالتتار وجاء غازان بجيشه الفرات وقصد حلب فتشوشت الخواطر ... ».
ويقول في حوادث عام ٧٠٢ هـ : « طرق غازان الشام ولكن انهزم عند سور دمشق وتفرّقت جيوشه ، ثم جهّز غازان جيوشه فصاروا إلى مرج دمشق وتأخر المسلمون وبات أهل دمشق في بكاء واستغاثة وخطب شديد ، وقدم
__________________
١ ـ البداية والنهاية ، ج ١٣ ، ص ٢٠٠ ـ ٢١٣.
٢ ـ فيليب حتي. تاريخ العرب المترجم إلى الفارسية ، ج ٢ ص ٨٨٣ ، ٨٥١ ، ٨٢٨.