خارج قصورهم ، فقد كانت القوى الكافرة محيطة بدار الخلافة ، والخليفة كان غافلا عمّا يجري خارج القصر ، وكانت تلعب بين يديه جاريته فلم يوقظه من الغفلة أو السكرة إلاّ إصابة نبل الخصم لجاريته ، فإذا كان هذا هو الإسلام وهذا خليفته ، وهذا شعوره وإحساسه ، فعلى الإسلام السلام ، وعلى تلك الخلافة العفاء.
وقد عرفت أنّ ابن الأثير كان من المشاهدين للقضايا عن كثب ، ويعرف الخلفاء وسلاطينهم بأنّهم بلغوا من العقلية إلى درجة لا يهمّهم إلاّ ما يهمّ البهيمة من إشباع بطنها وارضاء فرجها (١).
ومن المعلوم أنّ الفساد لم يكن مقتصراً على بلاط الخلفاء ، بل الانحلال الخلقي والانحطاط المعنوي كان سائداً على الغالبية العظمى من المجتمع ، إذ الناس على دين ملوكهم ، ومن العجب أنّ المؤرخين الأباعد يحملون وزر سقوط الخلافة العباسية على عاتق الوزير الشيعي مؤيّد الدين ابن العلقمي ، الّذي يصفه ابن الكثير بقوله : « وكان عنده فضيلة في الإنشاء وليديه فضيلة في الأدب » ويضيف أيضاً : « إنّه أشار على الخليفة بأن يبعث إلى هولاكو بهدايا سنية ليكون ذلك مدارة له عمّا يريده من قصد بلادهم ، فخذّل الخليفة عن ذلك دويداره الصغير « أيبك » وغيره ، وقالوا إنّ الوزير إنّما يريد بهذا مصانعة ملك التتار بما يبعثه إليه من الأموال ، وأشاروا بأن يبعث بشيء يسير ، فأرسل شيئاً من الهدايا فاحتقرها هولاكوخان » (٢).
ومن الظلم إلقاء جريرة سقوط بغداد على عاتق هذا الوزير مع كون الخليفة على الحال الّتي سمعتها من ابن الكثير ، وكون الملوك والسلاطين لا يهمّهم إلاّ بطنهم وشهوتهم ، مع اشتعال نار الخلاف بين الرؤساء والقادة الشاغلين منصّة قيادة المجتمع الإسلامي ، فلا تنتج تلك المقدمات إلاّ هذا الوضع الوبيل ، إنّا للّه وانّا إليه راجعون.
__________________
١ ـ الكامل في التاريخ ج ١٢ ص ٣٧٥.
٢ ـ البداية والنهاية ج ١٣ ص ٢١٤.