واسطورة ثانية تقول : أن جبير المؤتفكي وجد بالقرب منها مغارةً على شاطىء البحر فيها تابوت من نحاس ، ففتحه فوجد فيه تابوتاً من فضة ، ففتحه فإذا فيه درج (١) من حجر الماس ، ففتحه فإذا فيه مكحلة من ياقوتةٍ حمراء مِرودُها عِرْق زبرجد أخضر ، فدعا بعض غلمانه فكحل إحدى عينيه بشيء مما كان في تلك المكحلة فعرف مواضع الكنوز ، ونظر إلى معادن الذهب ومغاص الدرر ، فاستعان بذلك على بناء الإسكندرية . . إلى غير ذلك من الإساطير التي ترسمها مخيلة القصاصين . (٢)
ولقد كان الركبان الذين يقصدون الإسكندرية يتحدثون بهذا وأمثاله ، يُسَلّون به أنفسهم سيما إذا كان سفرهم عن طريق البحر فإن ذلك يشغلهم عن تذكر البحر وأهواله . . ولكن ماذا يعني سلمان من ذلك كله فهو يسمع ما يروونه عن الإسكندرية لكنه لا يلتفت إلى ما يقولون ، ولا يعبأ بما يتحدثون ، بل كل همه وتفكيره منصبان على كيفية اللقاء بالراهب الذي سيصل إليه ، وكيف سيكون معه ، وهل سيرته كسيرة صاحبيه .
وصل سلمان إلى الاسكندرية ، وسأل عن الراهب الذي أخذ إسمه ومواصفاته من سلفه الراحل ، واستدل على مكانه ، فوصفوا له صومعةً كان يقطن فيها شأن غيره من الرهبان . فلما وصل إليها وقف خارجها وتكلم بكلمات ما لبث بعدها أن أطل الراهب عليه ، ونظر سلمان إليه فوجد فيه مثل ما وجد في صاحبيه من الهدى والصلاح والزهد فاطمأن به المكان بعد أن رحب به الراهب أجمل ترحيب . وأبلغه سلمان سلام سلفه الراحل وسلمه اللوح .
وبقي سلمان معه مدةً من الزمن ، وكانت الأيام تمر سراعاً ، والسنين تتوالى والبشارة تقترب .
ومرض الراهب مرض الموت ، واستمر به المرض حتى إذا إحتضر إلتفت
__________________
(١) : الدَرْج : أشبه بالمحفظة .
(٢) : للتفصيل راجع معجم البلدان ١ / ١٨٣ وما بعدها .