مرض الراهب مرض الموت ولزم الفراش وسلمان إلى جانبه . وأحس الراهب أنه مفارق هذه الدنيا ، فالتفت إلى سلمان قائلاً :
« إني ميت ! »
وصكت هذه الكلمة مسامع سلمان ، وأخذت من نفسه مأخذاً حيث خاف الضياع من بعده ، فقال له بنبرة فيها شيء من الحزن :
فعلى من تخلفني . . ؟
قال الراهب : لا أعرف أحداً على طريقتي إلا راهباً بالاسكندرية ، فإذا أتيته فاقرأه عني السلام ، وادفع إليه هذا اللوح .
وما لبث الراهب أن توفي ، فقام سلمان بتجهيزه ، فغسله ، وكفنه ، ودفنه ، ثم أخذ اللوح معه وخرج قاصداً الإسكندرية .
وكانت الإسكندرية في ذلك الوقت هي أم الأساطير ـ كما يقال عنها ـ فكان الناس يتحدثون عنها وعن عجائبها فحيكت عن كيفية بنائها قصص كثيرة ، منها : أن الذي بناها هو الاسكندر الأكبر فسميت باسمه ، وقيل : أن الإسكندر وأخوه الفرما قاما ببناء مدينتين في أرض مصر سميت باسمهما ، فلما فرغ الاسكندر من بناء مدينته قال : قد بنيت مدينة إلى الله فقيرة وعن الناس غنية . ، وقال أخوه بعكسه ، فبقيت مدينة الإسكندر ، وتهدمت مدينة أخيه .
وأسطورة تقول : أن الذي بناها هو جبير المؤتفكي ، وكان قد سخر فيها سبعين ألف بناء ، وسبعين ألف مخندق ، وسبعين ألف مقنطر ، واستغرق بناؤها مائتا سنة ، وكتب على العمودين الذي يقال لهما : المسلتين : أنا جبير المؤتفكي عمرت هذه المدينة في شدتي وقوتي حين لا شيبة ولا هرم أضناني ، وكنزت أموالها في مراجل (١) جبيرية ، وأطبقتها بطبق من نحاس وجعلتها داخل البحر .
__________________
(١) : المِرجَل : قِدرٌ ضخم من نحاس .