عليه السلام تركه للحواريين يتداولونه فيما بينهم ثم يسلمونه إلى ذوي الكفاءة من أوصيائهم .
يقول سلمان : فلما مات ، غسلته وكفنته ودفنته ، وأخذت اللوح وسرت به إلى انطاكية « وهي بلدة قريبة من حلب بعيدة عن الشام موصوفة بالحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء لها سور ضخم ، وشكلها كنصف دائرة قطرها يتصل بجبل ، والسور يصعد مع الجبل إلى قمته فتتم دائرةً ، وفي السور داخل الجبل قلعة في وسطها بيعة « القسيان » (١) وهي هيكل طوله مائة خطوة ، وعرضه ثمانون ، وعليه كنيسة على آساطين ، وحول الهيكل أروقة يجلس عليها القضاة والعلماء ، وهناك من الكنائس ما لا يجد كلها معمولة بالذهب والفضة والزجاج الملون ، والبلاط المجزع . (٢)
ومضى سلمان يغد السير حتى وصل إليها ، وكان قد عرف مواصفات الراهب واسمه ، فلما وصل إلى الهيكل سأل عنه ، فدلوه عليه ، وكان في إحدى الكنائس ، فلما وصل إليها تكلم بكلمات . فأطل عليه الراهب يسأله من هو وماذا يريد ؟
ونظر إليه سلمان ، فرأى فيه سمات التقى والصلاح والزهادة في الدنيا والرغبة عنها إلى الآخرة ، فارتاحت لذلك نفسه ، وعلم أن صاحبه الراحل لم يفرط فيه ، بل أوصى به إلى يدٍ أمينة . . . ورد سلمان على أسئلة الراهب ، ثم أبلغه سلام الأسقف الراحل وسلمه الأمانة .
أخذ الراهب اللوح من يد سلمان بلهفة وزاد في الترحيب به ، وأنزله معه ، وظل سلمان في خدمته مدةً طويلة يأخذ عنه معالم الدين ، حتى إذا مرت سنين ،
__________________
(١) : قسيان : الملك الذي أحيا ولده رئيسُ الحواريين فطرس ، وبيعة القسيان هذه كانت دار للملك فسميت باسمه .
(٢) : راجع معجم البلدان ١ / ٢٦٧ للتفصيل .