قال الموبذان (١) : عسى أن يكون خيراً ، وأنا ـ أصلح الله الملك ـ رأيت البارحة أن النيران قد خمدت وقلعت بيوتها وهلك سدنتها ، ورأيت إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها ، وقد أغمني ذلك .
وبينما هم كذلك ، إذ ورد عليه كتاب بخمود النار ، فازداد كسرى غماً إلى غمه ، والتفت إلى الموبذان قائلاً له : وأي شيء يكون هذا يا موبذان ؟ ـ وكان أعلمهم عند نفسه بذلك ـ .
قال الموبذان : ما عندي فيها ولا في تأويلها شيء ـ أيها الملك ـ ولكن ارسل إلى عاملك في الحيرة يوجه إليك رجلاً من علمائهم ، فانهم أصحاب علم بالحدثان .
فكتب عند ذلك : « من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر ، أما بعد : فوجّه إلي رجلاً عالماً بما أريد أن أسأله عنه . » فوجه إليه النعمان عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني .
فلما قدم عليه ، قال له : أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه . ؟
قال : ليخبرني الملك ، فان كان عندي منه علم ؛ وإلا أخبرته بمن يعلمه له ، فأخبره بما رأى ، فقال : علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام ، يقال له سطيح (٢) .
قال : فأته فاسأله عما سألتك ، وإئتني بجوابه .
ركب عبد المسيح راحلته حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت ، فسلم عليه وحيّاه ، فلم يجبه ؛ وكلمه ، فلم يرد عليه ! فقال :
أصَمُّ أم يسمع غِطريفُ اليَمَن |
|
أم فَادَ فازْلَمّ به شأو العَنَنْ (٣) |
يا فاصِل الخِطة أعيت مَنْ ومَنْ |
|
أتاك شيخ الحيِّ من آل سَنَنْ |
__________________
(١) : الموبذان : للمجوس رئيسهم الديني .
(٢) : سطيح : من كهان العرب .
(٣) : فاد : مات . ازلم : ذهب مسرعاً . الشأو : المكان البعيد ، العنن : ما ينوب الانسان من العارض .