غادر سلمان الدير حاملاً بيده اللوح ، ووقف حائراً لا يدري كيف يصنع ولا أين يذهب ، إنه يريد أرض تهامة ، ولكن . . هو غلام ديراني ، وحياة الديرانيين تشبه إلى حد ما حياة أهل السجون لولا الفارق النفسي بينهما من حيث توطين النفس على الإقامة فيها اختياراً ، والشعور بالانفساح الروحي عند الخلوة لمناجاة الله سبحانه ، وإلا فكل شيء في الأديرة يخضع لقيود معينة ، الملبس فيها خاص وبشكل معين ، والمأكل فيها خاص ينحو نحو النباتية ، والزهد في الدنيا شرط ، فلا مال ولا عقار ، ولا شيء من مغريات الحياة ، بل على الداخل فيها أن يخرج من الدنيا وما فيها ـ هكذا كانت حياة الأديرة ـ وهكذا كان سلمان عندما كان ديرانياً .
والآن ، خرج من الدير ، فمن الطبيعي أن يخرج منه كما دخل صفر اليدين ، ويمكننا تصور حالته النفسية في ذلك الظرف العصيب ، فهو يريد أن يأكل ويريد أن يسافر ، ويريد أن يتعامل مع هذه الحياة كما يتعامل بقية الناس ، ولكن دون جدوى ، ففي الدير كانت له جراية تجرى عليه كما تجرى لصاحبه الراحل ، أما الآن فقد إنتهى كل شيء فها هو قد خرج وهو لا يملك درهماً ولا ديناراً ، فماذا يفعل الآن ؟
في
زخم هذه الحيرة التي لفت سلمان كانت خيوط الأمل الأخضر تشرق في نفسه فتضيء له جنباتها . . إنه الأمل بلقاء النبي الموعود ، فلقد نبت حب محمد