صلى الله عليه وآله في قلبه كما ينبت العطر في أكمام الورود ، وتذكر في هذه الحال ما قاله له أستاذه الراحل من أنه « سيخرج نبي في أرض تهامة » وتساءل بينه وبين نفسه : من يدري ، فلعله قد خرج ؟ !
وأحس سلمان بموجةٍ من الفرح تغمره ، فاندفع منطلعاً نحو الطريق وإذا به يرى ركباً يقصدون أرض الحجاز . وأحس أنهم من ذوي الثراء والمكانة لِما رأى من ترفهم وحسن مظهرهم ، وما معهم من الشياه والأغنام والأثاث والرياش ، وهنا بادرهم بالتحية ، فردوا عليه بمثلها ، ثم سايرهم قليلاً وفكر في أن يعرض عليهم ما في نفسه من الرغبة في مرافقتهم ؛ ولكن منعه من ذلك قصَرُ ذات اليد ، فما معنى أن يكون معهم ولا يشاطرهم في نفقة الطريق ؟ فعاد إلى نفسه ولم يتكلم بكلمة ، إنه لم يرضَ أن يكون عالةً على غيره ، يأخذ ولا يعطي ، فهذا شأن الساقطين في الحياة ، وبينما هو في غمرة تفكيره إذ لاحت له خاطرة ذكية أحس من خلالها بقرب الفرج ، حيث بدا له أن يعرض عليهم نفسه للخدمة في قبال أن يقوموا بنفقاته ، ورأى أن هذا أمر لا ضير فيه ولا مهانة ، بل هو شيء حسن ، فلم يتردد في ذلك وخاطبهم قائلاً :
« يا قوم ، اكفوني الطعام والشراب ، أكفكم الخدمة . ! »
وكان طلباً محبباً لهم ، فالعرب أمة عرفت بالبذل والكرم والسخاء ، بل أحب شيء للعربي ضيافة الوافد وإكرامه ، فكيف بجماعة كل شيء لديهم وافر ، أتراهم يمتنعون عن قبول مثل هذا العرض بدون مقابل ؟ بالطبع لا . غير أنهم أدركو في سلمان أنه رجل عفيف لا يحتمل المن ، ولا هو من المتسكعين ، فلم يماطلوا معه بالسؤال والجواب لكي لا يحرجوه فأجابوه بقولهم : نعم .
سار سلمان معهم يخدمهم في رحلتهم تلك ويهيء لهم ما يحتاجون إليه ، فلما صار وقت الطعام « عمدوا إلى شاة ، فقتلوها بالضرب ، ثم أخذوا لحمها وجعلوا بعضه كباباً وبعضه شواءً » وجلسوا يأكلون ، أما هو فلم يعجبه هذا الأمر ، فجلس ناحيةً ولم يأكل ، ولفت انتباههم ذلك ، فقالوا له : كلْ .