أداة الربط بين المؤمنين يجمع شتاتهم ، ويشد عزائمهم ، ويوحد صفوفهم ، وهو أيضاً الوسيلة الناجعة للوصول إلى درب الخلاص ، ومن ثم النهوض بالإنسانية إلى أرقى وأسمى القيم التي تنشدها على هذه الأرض ، الإيمان بالله ، ورسله ، وكتبه ، واليوم الآخر بكل ما انطوت عليه هذه الكلمات من مضامين عالية نبيلة تتهافت عندها جميع الحواجز المادية التي تلف حياة الإنسان ، كما تتلاقى في ساحتها جميع القلوب الخيرة المفتوحة لا فرق في ذلك بين الإنسان الأبيض والأحمر والأسود والأصفر والقريب والبعيد . قال سبحانه وتعالى :
« لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » . ٥٨ ـ ٢٢
ولقد كان صاحبنا « سلمان الفارسي » رضي الله عنه أحد المجسدين لهذا الشعار القرآني بعزم وإرادة وتصميم يفوق حد الوصف ، جسده في بداية إيمانه حين هجر أهله ووطنه في سبيل الوصول إلى منابع الإيمان ـ كما ستقرأ ـ ضارباً عرض الحائط كل تفاهات المجوسية واساطيرها دون تردد أو وجل . وجسده بعد إسلامه حين غزا المسلمون أرض فارس سنة ١٥ للهجرة وأطاحوا بآكاسرتها وأساورتها حيث كان هذا الرجل العظيم « داعية المسلمين ورائدهم » في تلك الوقعة ـ على حد تعبير ابن الأثير ـ فكان يدعو قومه إلى الإسلام ، يدعوهم كما كان النبي صلى الله عليه وآله يدعوهم ، فان أبوا ناجزهم ونهدَ إليهم .
إن
قصة إسلام هذا الصحابي الجليل فريدة من نوعها في عالم التدين ـ حسبما أعلم ـ اللهم عدا ما يختص بالأنبياء والرسل وأوصيائهم ، فهي لا تخلو من مآثر وكرامات وخوارق تتصل كلها بعالم التدين وما يربط بين الأديان جميعاً ، بل هي في ذاتها حافز للمؤمنين يمدهم بمزيدٍ من الثبات والثقة ، وهي