عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (١).
فتعاهدهم من لدن آدم بالحجج والآيات ، حتى خاتمهم محمد (ص) سيد الكائنات ، ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) (٢).
ولما كانت نبوات الأنبياء السابقين مختصة بأزمانهم وأجيالهم ، اقتضت الحكمة أن تكون معاجزهم مقصورة الأمد ، محدودة الأجل ، لتكون حجة على من رآها ، وحجة على من سمع بها بالتواتر ، ولكن حيثما تبتعد المعجزة يصعب حصول العلم بصدقها ، لانقطاع أخبارها ، ويكون التكليف بالايمان بها عسيرا ، وربما يكون ممتنعا على العباد ، وحاش لله أن يكلف نفسا إلا وسعها.
أما الرسالة الدائمة فلا بد لها من معجزة خالدة ، كخلود القرآن الكريم ، ليكون حجة على الخلف كما كان حجة على السلف ، وما زال يسمع الأجيال ، ويحتج على القرون ، الى أن يقوم ( النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ).
ولا بد للرسالة الخالدة أيضا من رسول خالد الى يوم يبعثون ، ليسير الثقلان جنبا لجنب ، ولكن كيف يتحقق ذلك مع أن أمد الرسول (ص) منقض مهما طال ، وأجله معلوم مهما امتد.
هذا ، والنقطة الاخرى علمنا أن القرآن العظيم حمال ذو وجوه ، وبه الغوامض والدقائق ، وفيه ( آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ، وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) (٣) ، فنشأت الخلافات ، وكثرت الأشياع والأتباع للفرق ، وبرزت قرون الشقاق ، فأستغلها أهل الفسوق والنفاق ، وأبدت عن نواجذها شقائق الشياطين ، في فتن داستهم بأخفافها ، ووطأتهم بأظلافها ، فهم فيها تائهون حائرون ، وكلهم يدعون أنهم بالقرآن يعملون ، وبه يستدلون ، وعليه يعولون.
فما يكون حال الامة المرحومة في هذا الوقت العصيب ، الذي ادلهمت به الفواجع والخطوب ، وبفقدها محمد (ص) سيد الكائنات ، وأعز نجيب وحبيب ، فيا لهول المصاب ، الذي أورثهم الحيرة والذهول ، وأفقد ذوي الألباب منهم الصواب ،
__________________
(١) البقرة : ١٤٣.
(٢) الرعد : ٧.
(٣) آل عمران : ٧.