نهض من فراشه .. وراح ينظر الى الثلج المتساقط بغزارة ..
وقد بدت مآذن الحرم صامتة تنتظر طلوع الفجر ..
انتابه هاجس في أن ما رآه في نومه لا يعدو أن يكون اضغاث أحلام .. لهذا عاد الى فراشه الدافىء لينام ..
مرّة أخرى رأى في عالم الطيف ذات الفتاة وهي تأمر بالنهوض ... لم ير وجهها كانت تقف وراء ستائر بيضاء مغمورة بالنور.
هبّ من فراشه كان الصوت يملأ اعماقه ، وقد نفض عنه كل أثرٍ للنعاس.
ارتدى معطفه الصوفي وحمل معه القنديل متجهاً الى السلالم.
انبعث الضوء من قلب المنائر .. كينابيع للنور .. وقد بدت من بعيد كما لو كانت فنارات في مرافئ تعصف بها الريح.
عاد محمد الى حجرته ، وكان قد بقي على طلوع الفجر ثلاث ساعات شعر بانّ ذهنه المتيقظ يأبى النوم ، وقد هزّته الرؤيا واشعلت في أعماقه آلاف القناديل .. الفتاة التي رآها من خلف الستائر بيضاء المغمورة بالنور ، ما تزال تهمين على ذهنه ، ولأول مرّة في حياته اجتاحته مشاعر لا تقاوم في معرفة مزيد عن تلك العذراء التي ألقت برحلها في قم منذ ألف عام .. الكتب العتيقة المرصوفة فوق الرف بدت وكأنها تدعوه الى رحلة في عمق التاريخ وهكذا بدأ محمد رحلته لسبرأ غوار زمن سحيق فلعلّه يرى عن قرب عذراء قم.
التاريخ ذاكرة الجنس البشري .. ذلك الشيخ الغارق في السنين