نعلم شيئا عنه ، وكان عمّه يوسف من كبار العلماء قد بلغ درجة القضاء وتولّى إفتاء دار العدل.
كان ما يزال رضيعا لم يمش حين أصاب أمّه أزدان الطاعون ، فنشأ يتيم الأمّ ، في كنف والده عليّ ، وعمّه يوسف ، وأخيه من أمّه الخواجا برهان الدين بن قنديل.
وقد كانت البيئة والأسرة تحدّدان غالبا وجهة المولود ، وترسمان طريقه في الحياة. فلا غرو إن مضى ابن طولون في طريق العلم ، وقد نشأ في الصالحية ورعاه عمّه قاضي القضاة ومفتي دار العدل.
بدأ صاحبنا بتعلّم الخطّ في مكتب المدرسة الحاجبية (١) ، بالقرب من منزله. ثم انثنى يحفظ القرآن بمكتب مسجد العساكرة (٢) ، فختمه وعمره سبع سنوات.
كان ختم القرآن مبدأ انطلاقه نحو العلوم المعروفة في عصره. فانصرف إليها يساعده ذكاء خارق وذاكرة قويّة ، فقرأها على كبار شيوخ دمشق في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر. ولا يهمّنا أسماء هؤلاء الشيوخ بقدر ما يهمّنا أسماء العلوم التي درسها ، والكتب التي قرأها (٣) ، ذلك لأن هذه العلوم والكتب هي التي كوّنت ثقافته وشخصيّته العلميّة. وعرضها يدلّنا على ما كان شائعا في عصره من العلوم ، وما كان يعتمد فيها من
__________________
(١) عن هذه المدرسة انظر : النعيمي ، الدارس ١ : ٥٠١ ، وهي من مدارس الحنفية.
(٢) عن مسجد العساكرة انظر : ابن طولون ، القلائد ١ : ٢٤٩.
(٣) يعنى الباحثون أغلب الاحايين بذكر أسماء الشيوخ وحدهم عند دراسة أحد الاعلام ، مع أن ذكر ما قرأه ودرسه قد يكون أكثر شأنا.