بل المفهوم من رواية أبي مخنف ( ورواياته أبسطها وأمتنها متنا وسندا ، حيث إنّه يروي غالبا وقائع الطفّ عمن شهدها بواسطة واحدة ممّن كان عليهالسلام ولم يقتل ، كالضحّاك المشرقي الّذي شرط معه عليهالسلام الدفاع عنه ما دام له أصحاب ، وكعقبة بن سمعان مولى الرباب ، وكمولى عبد الرحمن الأنصاري من أصحابه عليهالسلام فلمّا قتل عليهالسلام فرّا ، وممّن كان مع ابن سعد ، كحميد بن مسلم وكثير الشعبي وغيرهما ) إرسال عبيد الله لأهل البيت بعد ورودهم الكوفة بلا مهلة ، وأنّ يزيد لم يكن عنده علمه من القضيّة حتّى وردوا عليه مع الموكّلين بهم ، فسأل عنهم الكيفيّة. فروى : أنّ يزيد قال له لزهر بن قيس : ما وراءك؟ فقال : ابشر ورد علينا الحسين في ثمانية عشر من أهل بيته وستّين من أصحابه! فسألناهم أن ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال ، فاختاروا القتال فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كلّ ناحية ... الخ (١).
والمفهوم من رواياته : كون توقّفهم بالكوفة يوما وبالشام ثلاثة أيّام لإقامة المناحة عليه عليهالسلام وعدم حضورهم عند عبيد الله وعند يزيد أكثر من مجلس.
وحينئذ فرجوعهم يوم الأربعين من تلك السنّة غير بعيد.
وكما أنّ ورود جابر الأربعين من تلك السنة أيضا غير بعيد ، فروى الطبري : أنّ عبيد الله لمّا جيء برأس الحسين عليهالسلام إليه قال لعبد الملك السلمي : انطلق إلى عمرو بن سعيد بالمدينة وبشّره ولا يسبقك الخبر. وأعطاه دنانير وقال له : لا تعطّل وإن قامت بك راحلتك فاشتر راحلة ؛ وهكذا فعل (٢).
وروى الحموي في حمّاد الراوية أنّ هشاما كتب بحمله من الكوفة إليه بالشام ليسأله عن قائل بيت في اثنتي عشرة ليلة ، ففعل يوسف بن عمر حامله ذلك (٣) فإذا كان إيصال من حمل مكرما في هذه المدّة ، يكون إيصال من حمل إذلالا في أقلّ.
ولقد جاء بلال بن أبي بردة وكان عاملا على البصرة من قبل خالد القسري إليه في الكوفة ليشير عليه بأن يبذل مقدارا من أمواله لهشام لئلاّ يستأصله في يوم وليلة (٤).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٥٩.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٤٦٥.
(٣) معجم الأدباء ١٠ : ٢٥٨ الرقم ٣٣.
(٤) تاريخ الطبري ٧ : ١٥٣.