فقال الحرّ : يا هذا! لسنا ممّن كتب إليك شيئا من هذه الكتب ، وقد أمرنا أن لا نفارقك إذا لقيناك أو نقدم بك الكوفة على الأمير عبيد الله بن زياد.
فقال الحسين ـ عليهالسلام ـ : « الموت دون ذلك ».
ثمّ أمر بأثقاله فحملت ، وأمر أصحابه فركبوا ، ثمّ ولّى وجهه منصرفا نحو الحجاز ، فحال القوم بينه وبين ذلك.
فقال الحسين للحرّ (١) : ما الذي تريد؟! قال : أريد والله أن انطلق بك إلى الأمير عبيد الله ابن زياد.
قال الحسين : اذا والله أنابذك الحرب.
فلمّا كثر الجدال بينهما قال الحرّ : إنّي لم اومر بقتالك وإنّما امرت أن لا افارقك ، وقد رأيت رأيا فيه السلامة من حربك ، وهو أن تجعل بيني وبينك طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى الحجاز ، تكون نصفا بيني وبينك حتّى يأتينا رأي الأمير.
قال الحسين : فخذ هاهنا وأخذ متياسرا من طريق العذيب (٢) ومن ذلك المكان إلى العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ، فساروا جميعا حتّى انتهوا إلى عذيب الحمامات (٣) ، فنزلوا جميعا وكلّ فريق منهما على غلوة (٤) من الآخر.
ثمّ ارتحل الحسين من موضعه ذلك متيامنا عن طريق الكوفة حتّى انتهى إلى قصر بني مقاتل ، فنزلوا جميعا هناك.
* * *
__________________
(١) في أنساب الأشراف : فقال الحسين للحرّ : ثكلتك امّك ، ما تريه؟ فقال الحرّ : والله لو غيرك يقولها ما تركت ذكر امّه! ولكنه والله ما ذكر امكّ من سبيل إلاّ بأحسن ما أقدر عليه ..
(٢) العذيب : تصغير العذب ، وهو الماء الطيب : وهو ماء بين القادسية والمغيثة ، بينه وبين القادسية أربعة أميال وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ميلا ، وقيل : هو واد لبني تميم وهو من منازل حاج الكوفة. معجم البلدان : ٤ / ٩٢.
(٣) في أنساب الأشراف : عذيب الهجانات ، وهي التي كانت هجائن النعمان بن المنذر ترعى بها.
(٤) الغلوة : قدر رمية بسهم.