فنظر الحسين إلى فسطاط مضروب ، فسأل عنه ، فاخبر أنّه لعبيد الله بن الحرّ الجعفي ، وكان من أشراف أهل الكوفة وفرسانهم ، فأرسل الحسين إليه بعض مواليه يأمره بالمصير إليه.
فأتاه الرسول فقال : هذا الحسين بن علي يسألك أن تصير إليه.
فقال عبيد الله : والله ما خرجت من الكوفة إلاّ لكثرة [ ٧٢ ـ ألف ] من رأيته خرج لمحاربته وخذلان شيعته ، فعلمت أنّه مقتول ولا أقدر على نصره ، فلست أحبّ أن يراني ولا أراه.
فانتعل الحسين حتّى مشى ، ودخل عليه قبّته ودعاه إلى نصرته.
فقال عبيد الله : والله إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الآخرة ، ولكن ما عسى أن أغني عنك ، ولم اخلّف لك بالكوفة ناصرا ، فأنشدك الله أن تحملني على هذه الخطّة ، فإنّ نفسي لم تسمح بعد بالموت! ولكن فرسي هذه الملحقة ، والله ما طلبت عليها شيئا قطّ إلاّ لحقته ، ولا طلبني وأنا عليها أحد قطّ إلاّ سبقته ، فخذها فهي لك (١)!
قال الحسين : أما إذ رغبت بنفسك عنّا فلا حاجة بنا إلى فرسك (٢)!
* * *
وسار الحسين ـ عليهالسلام ـ من قصر بني مقاتل ، ومعه الحرّ بن يزيد ، كلّما أراد أن يميل نحو البادية منعه ، حتّى انتهى إلى المكان الذي يسمّى « كربلاء » ، فمال قليلا متيامنا حتى انتهى إلى « نينوى » (٣) ، فإذا هو براكب على نجيب مقبل من القوم ، فوقفوا جميعا ينظرونه ،
__________________
(١) جاء لقاء عبيد الله بن الحر الجعفي مع الحسين عليهالسلام في مصادر كثيرة منها : ترجمة الحسين عليهالسلام لابن سعد : ص ٩٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ١٧٤ رقم ٣٥ ، الفتوح لابن أعثم : ٢ / ١٣٠ ، والكامل في التاريخ : ٣ / ٢٨٢ ومقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي ولأبي مخنف.
وقال البلاذري بعد ذكره هذا الكلام : ثمّ انه أظهر الندم على تركه نصرة الحسين ، وقال في ذلك شعرا سنكتبه في موضعه ان شاء الله تعالى.
(٢) وفي بعض المصادر : ثمّ تلا عليهالسلام : ( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ).
(٣) قال الياقوت الحموي : وبسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى منها كربلاء التي قتل بها الحسين رضياللهعنه ،