نفسه ، ولذلك لا يكون موضوعا مستقلاّ لحكم العقل بدخول التكليف في العهدة.
ولهذا فإنّ من يخالف وجوب الاحتياط في مورد ويتورّط نتيجة لذلك في ترك الواجب الواقعي لا يكون مستحقّا لعقابين بلحاظ مخالفة الوجوب الواقعي ووجوب الاحتياط الظاهري ، بل لعقاب واحد ، وإلا لكان حاله أشدّ ممّن ترك الواجب الواقعي وهو عالم بوجوبه.
وبناء على أنّ الأحكام الظاهريّة مجرّد طرق ووسائل وليست موضوعا مستقلا لحكم العقل بالإطاعة واستحقاق العقاب على المخالفة لا يكون مستحقّا لعقابين فيما لو خالف الإلزام الظاهري ، كأن قام الحكم الظاهري على وجوب فعل ما فتركه المكلّف ، فإنّه لا يكون بهذه المخالفة مستحقّا لعقابين أحدهما على مخالفة الإلزام والوجوب الظاهري والآخر على مخالفة الوجوب الواقعي لو فرض مطابقة هذا الحكم الظاهري للواقع وكان الوجوب ثابتا واقعا ، بل يستحقّ عقابا واحدا فقط على تركه التحفّظ فقط عن الوجوب الواقعي المحتمل ؛ وذلك لأنّه لا يوجد مبادئ مستقلّة للحكم الظاهري ليعاقب على تركها.
والقول بأنّه يستحقّ عقابين كذلك مع عدم وجود مبادئ مستقلّة للحكم الظاهري يعني أنّ حاله أسوأ وأشدّ ممّن علم بالحكم الواقعي وخالفه ؛ إذ مع العلم بالواقع ومخالفته يستحقّ عقابا واحدا ، بينما هذا الذي يجهل الواقع وقام عنده أمارة أو أصل على التنجيز يكون مستحقّا لعقابين. فيكون الجاهل المخالف أسوأ حالا من العالم المخالف ، وهذا واضح الفساد (١).
وأمّا الأحكام الواقعيّة فهي أحكام حقيقيّة لا طريقيّة ، بمعنى أنّ لها مبادئ خاصّة بها ، ومن أجل ذلك تشكّل موضوعا مستقلاّ للدخول في العهدة ، ولحكم العقل بوجوب امتثالها واستحقاق العقاب على مخالفتها.
فحاصل الكلام في الأحكام الظاهريّة أنّها طرق ووسائل فقط ليس لها مبادئ وليست موضوعا مستقلاّ لحكم العقل بالإطاعة والامتثال والتنجيز ودخول التكليف في عهدة المكلّف ، بل هي مجرّد وسائط بين حكم العقل وبين الحكم الواقعي بمعنى
__________________
(١) مضافا إلى أنّه يلزم إناطة العقاب على المطابقة للواقع والتي هي خارجة عن قدرة المكلّف ، فيكون معاقبا على شيء غير قادر عليه ، وهو قبيح عقلا.