للتكليف في عهدة المكلّف ، بمعنى أنّ المكلّف مسئول عن هذا التكليف المقطوع لكونه داخلا في دائرة حقّ الطاعة. فإذا قطع المكلّف بالوجوب أو الحرمة فإنّ الوجوب والحرمة يتنجّزان عليه بحكم العقل ؛ لشمول مولويّة المولى لهما ودخولهما في دائرة حقّ الطاعة ، فيكون مطالبا بالامتثال ويستحقّ العقاب على المخالفة.
والمعذّريّة للقطع معناها أنّ القطع بعدم التكليف كالقطع بالترخيص والإباحة والحليّة يكون مبرّئا لذمّة المكلّف من الاشتغال ؛ لأنّ القاطع بعدم التكليف يستحيل أن يتحرّك نحوه ولا يمكن أن يكون منجّزا عليه ؛ لأنّه يعتقد بعدم وجوده فيقطع بأنّ المولى ليس له حقّ الطاعة في هذا الفرض ؛ لأنّه لا يوجد تكليف له فلا يحكم العقل بلزوم الإطاعة والامتثال.
والحاصل : أنّ المعذّريّة والمنجّزيّة من الخصائص الثابتة للقطع بالتكليف وجودا وعدما.
وأمّا الثاني : فالحجّيّة لها ثلاثة معان :
١ ـ الحجيّة المنطقيّة : بمعنى وقوع القطع كبرى في القياس المنطقي.
٢ ـ الحجّيّة التكوينيّة : وهي الإراءة والانكشاف والمحرّكيّة نحو استيفاء الغرض من الشيء المنكشف.
٣ ـ الحجيّة الأصوليّة : وهي تعني المنجّزيّة والمعذّريّة وهذا هو المقصود هنا ، فحجّيّة القطع معناها المعذّريّة والمنجّزيّة.
كما عرفنا سابقا (١) أنّ الصحيح في حقّ الطاعة شموله للتكاليف المظنونة والمحتملة أيضا ، فيكون الظنّ والاحتمال منجّزا أيضا ، ومن ذلك يستنتج أن المنجّزيّة موضوعها مطلق انكشاف التكليف ولو كان انكشافا احتماليّا ؛ لسعة دائرة حقّ الطاعة.
تقدّم في الحلقة الثانية أيضا أنّ حقّ الطاعة لا يختصّ بالتكاليف المقطوعة ، بل يشمل كلّ تكليف منكشف ولو بدرجة ضعيفة ، بمعنى أنّ مطلق الانكشاف للتكليف يكون داخلا في دائرة حقّ الطاعة ويكون موضوعا للمنجّزيّة ، فيشمل القطع والاطمئنان والظنّ والشكّ والاحتمال. فكلّ هذه الانكشافات تكون منجّزة للتكليف
__________________
(١) الحلقة الثانية ، ضمن بحوث التمهيد تحت عنوان : حجّيّة القطع.