فهل يمكن صدوره في جميع حالات الانكشاف الشاملة للقطع والظنّ والاحتمال ، أو أنّه يختصّ في حالات الانكشاف بالظنّ والاحتمال فقط دون القطع؟ إذا فالبحث الآن في هذين الموردين فنقول :
فالجواب على ذلك : أنّ هذا يتأتّى للمولى بالنسبة إلى التكاليف المنكشفة بالاحتمال أو الظنّ ، وذلك بجعل حكم ظاهري ترخيصي في موردها كأصالة الإباحة والبراءة.
إنّ الترخيص في مخالفة التكليف إنّما يمكن فيما إذا كان الانكشاف بنحو الظنّ أو الاحتمال أي الانكشاف الناقص ، فإنّه في هذه الموارد يمكن للشارع أن يصدر ترخيصا ظاهريّا عن هذا التكليف المظنون أو المحتمل ، وعلى أساسه يرتفع موضوع المنجّزيّة وحقّ الطاعة ؛ لأنّ هذا الترخيص يرفع القيد المذكور ومع ارتفاع القيد يرتفع الموضوع فينتفي الحكم بالمنجّزيّة والإطاعة لانتفاء موضوعهما بنحو السالبة بانتفاء الموضوع.
وهذا الترخيص الظاهري يجعله الشارع بنحو جادّ ، فيجعل حكما بالإباحة أو بالبراءة ؛ ليرفع موضوع المنجّزيّة وحقّ الطاعة عن هذا التكليف المظنون والمحتمل.
ولا تنافي بين هذا الترخيص الظاهري والتكليف المحتمل أو المظنون ؛ لما سبق (١) من التوفيق بين الأحكام الظاهريّة والواقعيّة ، وليس الترخيص الظاهري هنا هزليّا ، بل المولى جادّ فيه ضمانا لما هو الأهمّ من الأغراض والمبادئ الواقعيّة.
قد يشكل على هذا الترخيص الظاهري المجعول في موارد الانكشاف بنحو الظنّ والاحتمال للتكليف بأحد أمرين :
الأوّل : أنّ جعل ترخيص ظاهري يتنافى مع الظنّ والاحتمال للتكليف ؛ لأنّ الترخيص ينفي وجود التكليف بينما الظنّ والاحتمال يكشفان عن وجود التكليف واقعا بدرجة ما من الكشف ، فكيف يمكن اجتماعهما معا على مورد واحد؟!
وجوابه : أنّ الترخيص الظاهري يمكن اجتماعه مع الإلزام الواقعي المجهول عند المكلّف ولا تنافي بينهما لا في عالم الجعل والاعتبار ؛ لأنّه سهل المئونة ، ولا في عالم المبادئ ؛ لأنّ الحكم الظاهري ليس فيه مبادئ مستقلّة عن الحكم الواقعي ، ولا في عالم الامتثال ؛ لأنّ أحدهما فقط هو الواصل.
__________________
(١) في هذه الحلقة ضمن بحوث التمهيد ، تحت عنوان : الحكم الواقعي والظاهري.