وقد تقدّم ذلك مفصّلا عند التوفيق بين الأحكام الظاهريّة والواقعيّة.
الثاني : أنّ مثل هذا الترخيص الظاهري لا يكون جادّا ، بل هو ترخيص هزلي ليس مرادا للمولى بنظر المكلّف ؛ وذلك لأنّ المكلّف يرى انكشاف الواقع وأنّه يوجد تكليف بدرجة ما ، فكيف يمكنه أن يصدّق بهذا الترخيص الذي مفاده عدم وجود تكليف أصلا؟!
وجوابه : أنّ الترخيص الظاهري يصدره الشارع لأجل إبراز الأهمّ من الملاكات الواقعيّة عند اختلاطها على المكلّف وعدم تمييزه لها ، فلذلك يكون مفاد الترخيص : أنّ ملاكات الإباحة هي الأهمّ من ملاكات الإلزام المظنونة والمحتملة ، فهو جاد في إبراز هذا المعنى وليس هزليّا. وهنا الواقع مجهول عند المكلّف ولا يدري ما هو ثابت واقعا للاشتباه والشكّ ، وهذا الترخيص يرفع له هذا الشكّ والحيرة ويبرز له الملاك الأهمّ بنظر الشارع ، ولذلك يكون جادّا في مؤدّاه ومفاده.
وبهذا ظهر أنّ جعل الترخيص الظاهري لا مانع منه عقلا ولا منافاة بينه وبين التكليف الواقعي المحتمل أو المظنون ، وهو ترخيص جادّ أيضا وليس هزليّا.
وعليه ، فيمكن جعله من قبل الشارع ، وهذا ما وقع فعلا حيث دلّت الروايات على التأمين والترخيص والإباحة والبراءة في موارد الشكّ والجهل وعدم العلم ، ولذلك نخرج عن القاعدة الأوّليّة العقليّة القائلة بالتنجيز إلى القاعدة الثانويّة الشرعيّة القائلة بالبراءة والترخيص.
وأمّا التكليف المنكشف بالقطع فلا يمكن ورود المؤمّن من المولى بالترخيص الجادّ في مخالفته ؛ لأنّ هذا الترخيص إمّا حكم واقعي حقيقي وإمّا حكم ظاهري طريقي ، وكلاهما مستحيل.
وأمّا إذا كان التكليف منكشفا بالقطع وهو الانكشاف التامّ كالقطع بوجوب أو حرمة هذا الفعل ، فهنا لا يمكن ورود ترخيص جادّ من المولى بحيث يسمح للمكلّف بالمخالفة لما قطع به ؛ لأنّ ورود الترخيص مستحيل في هذا المورد ؛ إذ لا يخرج هذا الترخيص إمّا أن يكون حكما واقعيّا حقيقيّا بالإباحة والبراءة والمؤمّنيّة ؛ بحيث يكون هناك حكم واقعي بالترخيص ويكون فيه ملاكات ومبادئ الترخيص ، وإمّا أن يكون حكما ظاهريّا طريقيّا لإحراز ما هو الأهمّ من الملاكات الواقعيّة في حالة الشكّ