أمّا تصوّرهم بالنسبة إلى المنجّزيّة فجوابه : أنّ هذه المنجّزيّة إنّما تثبت في موارد القطع بتكليف المولى لا القطع بالتكليف من أي أحد ، وهذا يفترض مولى في الرتبة السابقة ، والمولويّة معناها : حقّ الطاعة وتنجّزها على المكلّف ، فلا بدّ من تحديد دائرة حقّ الطاعة المقوّم لمولويّة المولى في الرتبة السابقة ، وهل يختصّ بالتكاليف المعلومة أو يعمّ غيرها؟
هذا الجواب تقدّم مفصّلا في الحلقة الثانية وحاصله هنا : أنّنا ننكر كون المنجّزيّة من اللوازم الذاتيّة للقطع بما هو هو ، بل هي من لوازم القطع بتكاليف المولى فقط ؛ لوضوح أنّ القطع بتكليف الآخرين وأوامرهم ليس له هذه المنجّزيّة كما لو فرض القطع بأمر العدوّ أو العبد ، ولذلك فلا بدّ أن نفترض وجود المولى أوّلا والقطع بتكليفه ثانيا. والمولى المفترض القطع بتكليفه هو من له حقّ الطاعة على العباد والمكلّفين ، بحيث يحكم العقل بلزوم امتثال أوامره واستحقاق العقاب على المخالفة. فالمولويّة إذا معناها حقّ الطاعة ، والمنجّزيّة هي نفس حقّ الطاعة والمولوية ، وليست شيئا آخر.
ولذلك فالبحث في الحقيقة ينبغي أن ينصبّ حول دائرة حقّ الطاعة وموضوع المنجّزيّة ، وهل هو مختصّ بموارد القطع بالتكليف أو يشمل كلّ موارد الانكشاف بالظنّ والاحتمال؟
ونحن آمنّا بأنّ حقّ الطاعة شامل لكلّ انكشاف ، فالمنجّزيّة عقلا ثابتة لا للقطع فقط بل للظنّ والاحتمال أيضا.
وما ذكره المشهور من الاختصاص بموارد القطع إنّما هو تحديد وتقييد لدائرة حقّ الطاعة ولموضوع المنجّزيّة وهو غير صحيح عندنا. فأصل المبنى الذي يرتكز عليه تصوّر المشهور ليس صحيحا.
وأمّا تصوّرهم بالنسبة إلى عدم إمكان الردع فجوابه : أنّ مناقضة الترخيص لحكم العقل وكونه ترخيصا في القبيح فرع أن يكون حقّ الطاعة غير متوقّف على عدم ورود الترخيص من قبل المولى ، وهو متوقّف حتما لوضوح أنّ من يرخّص بصورة جادّة في مخالفة تكليف لا يمكن أن يطالب بحقّ الطاعة فيه ، فجوهر البحث يجب أن ينصبّ على أنّه هل يمكن صدور هذا الترخيص بنحو يكون جادّا ومنسجما مع التكاليف الواقعيّة أو لا؟ وقد عرفت أنّه غير ممكن.