وأمّا الجواب عن التصوّر الذي ذكره المشهور من أنّ الترخيص معناه الترخيص في فعل المعصية وهو قبيح عقلا فيستحيل صدوره ، فهذا التصوّر مبني على القول بأنّ حقّ الطاعة والمنجّزيّة فعليّة غير معلّقة على شيء ، أي بمجرّد ثبوت القطع بتكليف المولى فيحكم العقل بلزوم الامتثال والإطاعة وحرمة المخالفة واستحقاق العقاب عليها ؛ لأنّها معصية قبيحة فيكون الترخيص مستحيلا لكونه ترخيصا في فعل القبيح والمعصية.
إلا أنّ هذا المبنى غير صحيح ؛ لما تقدّم من أنّ المنجّزيّة وحقّ الطاعة متوقّف على عدم ورود ترخيص جادّ من الشارع الذي له حقّ الطاعة والمولويّة ؛ لأنّه من الواضح أنّ الشارع إذا رخّص في مخالفة تكليفه وسمح للمكلّف بالاقتحام لا يطالبه بحقّ الطاعة ولا يدينه بالعقاب على المخالفة ؛ لأنّه هو نفسه قد أذن ورخّص له في المخالفة. فالمنجّزيّة معلّقة وليست فعليّة.
وعليه فالكلام ينبغي أن ينصبّ حول هذه المسألة ، وأنّه هل يمكن للمولى أن يرخّص في المخالفة في موارد القطع بالتكليف أو لا يمكنه ذلك؟ فإذا قيل بالإمكان فلا مخالفة ولا قبح ولا معصية. وإذا قيل بعدم الإمكان فتثبت المنجّزيّة لثبوت موضوعها فعلا.
وقد ذكرنا فيما سبق أنّ الصحيح هو أنّه لا يمكن للشارع أن يرخّص في مخالفة التكليف المقطوع لا ترخيصا ظاهريّا ولا ترخيصا واقعيّا ؛ لاستحالة صدورهما منه ، ولو فرض الصدور فهو ليس جدّيّا بالنسبة للقاطع كما تقدّم.
هذا بالنسبة لمنجّزيّة القطع. وأمّا معذّريّة القطع فالكلام فيها نفس الكلام في المنجّزيّة ولذلك قال السيّد الشهيد :
وكما أنّ منجزيّة القطع لا يمكن سلبها عنه كذلك معذّريّته ؛ لأنّ سلب المعذّريّة عن القطع بالإباحة ؛ إمّا أن يكون بجعل تكليف حقيقي أو بجعل تكليف طريقي ، والأوّل مستحيل ؛ للتنافي بينه وبين الإباحة المقطوعة ، والثاني مستحيل ؛ لأنّ التكليف الطريقي ليس إلا وسيلة لتنجيز التكليف الواقعي كما تقدّم (١) ، والمكلّف القاطع بالإباحة لا يحتمل تكليفا واقعيّا في مورد قطعه لكي يتنجّز ، فلا يرى للتكليف الطريقي أثرا.
__________________
(١) تحت عنوان : وظيفة الأحكام الظاهريّة.