بنظر الشارع من ملاكات الإلزام عند الاختلاط والاشتباه وعدم التمييز ، أو على الأقلّ هي مساوية لها. وهذا الافتراض على خلاف المرتكزات العرفيّة العقلائيّة ، فإنّ العقلاء لا يرون أنّ ملاكات الترخيص والإباحة تصل إلى هذه الدرجة والمرتبة من الأهميّة أو المساواة ؛ لأنّ الغالب عندهم هو أهميّة ملاكات الإلزام عادة ، فالعقلاء في بنائهم وسيرتهم في الأغراض الشخصيّة التكوينيّة أو في أغراضهم التشريعيّة بين الموالي والعبيد العرفيّين يحكمون بأهميّة ملاكات الإلزام غالبا وعادة في موارد العلم الإجمالي بالإلزام ، ولا يرون أنّ ملاكات الإباحة والترخيص المحتملة تصل إلى تلك الدرجة من الأهميّة أو المساواة.
وحينئذ نقول : إنّه لا يوجد دليل إثباتي مستقلّ فيما وصل إلينا من الأدلّة يبرز أهميّة ملاكات الترخيص والإباحة على ملاكات الإلزام في خصوص موارد العلم الإجمالي.
يبقى إطلاق أدلّة الأصول الترخيصيّة كالإطلاق مثلا في قوله : ( رفع ما لا يعلمون ) الشامل بإطلاقه لموارد عدم العلم مطلقا سواء في الشبهات البدويّة أو الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، إلا أنّ هذا الإطلاق مقيّد بقيد لبّي متّصل وهو الارتكاز العقلائي المذكور. فإنّ هذا الارتكاز والبناء العقلائي يعتبر مقيّدا لبيّا حاليّا لهذا الإطلاق ، فعند صدور هذا الدليل كان هذا الارتكاز موجودا ومتّصلا به ، ولذلك فهو يقيّد ويمنع من إطلاقه لموارد العلم الإجمالي بالإلزام وبالتكليف.
ولا فرق بين المقيّد اللفظي المتّصل وبين المقيّد اللبّي المتّصل في كونهما يمنعان من انعقاد الإطلاق في أدلّة الأصول الترخيصيّة. وبهذا نصل إلى نفس النتيجة التي قال بها المشهور من أنّ العلم الإجمالي يثبت حرمة المخالفة القطعيّة ولكن عقلائيّا لا عقلا.
ويسمّى الاعتقاد بمنجّزيّة العلم الإجمالي لهذه المرحلة على نحو لا يمكن الردع عنها عقلا أو عقلائيّا بالقول بعلّيّة العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعيّة. بينما يسمّى الاعتقاد بمنجّزيّته لهذه المرحلة مع افتراض إمكان الردع عنها عقلا وعقلائيّا بالقول باقتضاء العلم الإجمالي للحرمة المذكورة.
أي أنّ المسلك الذي سار عليه المشهور من أنّ العلم الإجمالي منجّز لحرمة المخالفة القطعيّة عقلا وعقلائيّا ، أي يستحيل سلب المنجّزيّة عنه عقلا وعقلائيّا يسمّى بمسلك