وأمّا الملاحظة الثالثة فهناك عدّة محاولات للجواب عليها :
منها : ما ذكره المحقّق النائيني قدّس الله روحه (١) من إضافة قيد الكبرويّة في التعريف لإخراج ظهور كلمة ( الصعيد ) ، فالقاعدة الأصوليّة يجب أن تقع كبرى في قياس الاستنباط ، وأمّا ظهور كلمة ( الصعيد ) فهو صغرى في القياس وبحاجة إلى كبرى حجيّة الظهور.
تبقى الملاحظة الثالثة : وهي دخول المسائل اللغويّة ومسائل علم الرجال في التعريف المذكور ؛ لأنّها قواعد تقع في طريق الاستنباط للحكم الشرعي ، حيث يحتاج الفقيه إليها في كثير من الموارد والحالات. وللإجابة عن هذا الإشكال وجدت عدّة محاولات أهمّها اثنتان :
المحاولة الأولى : ما ذكره المحقّق النائيني في تعريفه لعلم الأصول حيث قال : ( إنّ علم الأصول عبارة عن العلم بالكبريات التي لو انضمّت إليها صغرياتها يستنتج منها حكم فرعي كلّي ). فهذا التعريف يشتمل على قيد الكبرويّة ، وهذا القيد أضافه الميرزا إلى التعريف بعد أن اعترف بأنّ تعريف المشهور السابق لا يخلو من مناقشات : إمّا من جهة عدم شموله لما هو داخل فيه ، أو عدم طرده لما هو خارج عنه ، فهو يرى أنّ هذا التعريف لا يرد عليه شيء من الإشكالات والملاحظات ، وهذا القيد بالخصوص يحلّ الملاحظة الثالثة ؛ وذلك لأنّ القاعدة الأصوليّة وفقا لهذا القيد هي التي تقع كبرى في القياس الاستنباطي ، وكلّ قاعدة تقع صغرى في هذا القياس فهي ليست قاعدة أصوليّة ، فمثلا إذا أردنا استنباط حكم شرعي فرعي كلّي من آية أو خبر ، فهو يتوقّف على عدّة أمور : منها سند الحديث ، ومنها مدلولات الكلمات الواردة في الخبر ومعرفة معانيها وظواهرها ، ومنها حجيّة الظهور أو حجيّة خبر الثقة. وهنا البحث الأوّل يتكفّل به علم الرجال ، والثاني يتكفّله علم اللغة العربيّة ، والثالث يتكفّله علم الأصول ؛ وذلك لأنّ حجيّة الظهور تقع كبرى في القياس الاستنباطي فيقال مثلا : خبر الثقة دلّ على الوجوب ، وخبر الثقة حجّة. إذا خبر الثقة الدالّ على الوجوب حجّة.
فهنا وقعت حجيّة خبر الثقة كبرى في القياس الاستنباطي ولذلك فهي قاعدة
__________________
(١) فوائد الأصول ١ : ٢٩.