وما ذهب إليه السيّد الخوئي مبني على مسلك التعهّد الذي قال به بالنسبة للوضع ، حيث إنّه فسّر الوضع بالتعهّد. فالمتكلّم يتعهّد بأنّه لا يحضر اللفظ إلا إذا قصد إحضار المعنى ، كما تقدّم في الحلقة الثانية. والذي على أساسه سوف تكون الدلالة الوضعيّة دائما تصديقيّة ، والمدلول الوضعي تصديقي دائما.
فبناء على هذا المسلك فسّر الفرق بين الجملتين الناقصة والتامّة ، حيث قال بأنّ الجملة الناقصة موضوعة للتحصيص. فالمتكلّم يخطر الحصّة الخاصّة من المفهوم في ذهن السامع تمهيدا للحكم أو الإخبار أو الطلب ، بينما الجملة التامّة موضوعة للتحصيص لنفس الإخبار والحكاية والطلب لذات المفهوم والمعنى.
فالمدلول الوضعي هو الدلالة التصديقيّة ؛ لأنّ الوضع تعهّد ، والكاشف عن هذا التعهّد هو الدلالة التصديقيّة ؛ لأنّها تكشف عن أنّ المتكلّم أراد تفهيم السامع أمّا الحصّة أو ذات المفهوم.
والصحيح : ما عليه المشهور من أنّ المدلول الوضعي تصوّري دائما في الكلمات الإفراديّة وفي الجمل ، وأنّ الجملة حتّى التامّة لا تدلّ بالوضع إلا على النسبة دلالة تصوّريّة ، وأمّا الدلالتان التصديقيّتان فهما سياقيّتان ناشئتان من ظهور حال المتكلّم.
الصحيح : ما ذهب إليه المشهور من أنّ المدلول الوضعي تصوّري دائما وليس تصديقيا ، سواء في الكلمات الإفراديّة كالبحر وزيد وعالم أو في الجمل : ( زيد عالم ) و ( زيد العالم ) و ( اضرب زيدا ) و ( لا تضرب عمرا ).
فإنّ الوضع في الجميع هو المدلول التصوّري والذي يكون محفوظا دائما ، سواء كان هناك قصد أم لم يكن ، وسواء كان هناك قصد للحقيقة أم المجاز. وقد تقدّم في الحلقة السابقة فساد مسلك التعهّد ؛ لاستلزامه تعدّد الوضع والواضع ، ولاستلزامه إلغاء المجاز ، ولاستلزامه إلغاء الوضع التعيّني الناشئ من كثرة الاستعمال.
ويضاف إلى ذلك هنا : أنّ الجملة التامّة فضلا عن الجملة الناقصة لا تدلّ وضعا إلا على النسبة تصوّرا ؛ لأنّنا لو جرّدنا الجملة التامّة عن قصد الحكاية والإخبار أو الطلب وجعل الحكم لا يعني ذلك أنّها تصير كالجملة الناقصة ، فالفرق ثابت بينهما دائما في مرحلة سابقة عن القصد والمدلول التصديقي ، وهو فارق بلحاظ الدلالة التصوّريّة. ففرق بين قولنا : ( زيد العالم ) والتي هي جملة ناقصة وبين قولنا : ( هل زيد عالم )