شبهة التضادّ ونقض الغرض
أمّا الاعتراض الأوّل فقد أجيب عليه بوجوه :
منها : ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله (١) من أنّ إشكال التضادّ نشأ من افتراض أنّ الحكم الظاهري حكم تكليفي ، وأنّ حجيّة خبر الثقة مثلا معناها جعل حكم تكليفي يطابق ما أخبر عنه الثقة من أحكام ، وهو ما يسمّى بجعل الحكم المماثل ، فإن أخبر الثقة بوجوب شيء وكان حراما في الواقع تمثّلت حجيّته في جعل وجوب ظاهري لذلك الشيء وفقا لما أخبر به الثقة ، فيلزم على هذا الأساس اجتماع الضدّين ، وهما : الوجوب الظاهري والحرمة الواقعيّة.
الجواب الأوّل : ما ذكره الميرزا النائيني رحمهالله من أنّ إشكال التضادّ المذكور إنّما نشأ من افتراض أنّ الحكم الظاهري كالحكم الواقعي حكمان تكليفيّان فعندئذ يقال : إنّ الحكم الظاهري الذي هو حكم تكليفي معناه جعل الحكم المماثل للحكم الواقعي ، فمثلا خبر الثقة الذي هو حكم ظاهري جعلت الحجيّة له معناه جعل حكم مماثل على طبق ما أخبر عنه الثقة من أحكام تكليفيّة كالوجوب والحرمة ونحوهما.
فهنا إذا كان ما أخبر عنه الثقة من وجوب مطابقا للواقع يكون هناك حكمان تكليفيّان بالوجوب على واقعة واحدة وهو معنى اجتماع المثلين ، وإذا كان ما أخبر عن الثقة من الوجوب مغايرا للواقع بأن كان الحكم الواقعي الحرمة فهذا معناه اجتماع حكمين تكليفيّين متضادّين الوجوب الظاهري والحرمة الواقعيّة.
فالإشكال والمحذور إنّما يتوجّه لو قلنا بأنّ الحكم الظاهري كالواقع حكم تكليفي ، وقلنا بجعل الحكم المماثل في الحكم الظاهري كما هو قول الأصفهاني والخراساني في بعض عباراته.
__________________
(١) فوائد الأصول ٣ : ١٠٥.