إصدار هذا المنع هو الحفاظ على ضمان اجتنابها والتحفّظ من الوقوع في المفسدة الواقعيّة.
وهكذا يتّضح أنّ الأحكام الظاهريّة خطابات تعيّن الأهمّ من الملاكات والمبادئ الواقعيّة حين يتطلب كلّ نوع منها الحفاظ عليه بنحو ينافي ما يضمن به الحفاظ على النوع الآخر.
وهكذا يتّضح لنا جوهر وحقيقة الأحكام الظاهريّة وهي كونها خطابات (١) لأجل تعيين الأهمّ من الملاكات الواقعيّة المشتبهة على المكلّف ، حينما يكون كلّ نوع من هذه المبادئ الواقعيّة يتطلّب نحوا من الحفاظ عليه يتنافى مع الحفاظ على الآخر ، كما هو الحال في الوجوب والحرمة أو الإباحة معهما. وليست أحكاما حقيقة ؛ لأنّ الحكم ما كان فيه مبادئ في متعلّقة وهي ليست كذلك. فالمولى يلاحظ ما هو الأهمّ من هذه المبادئ الواقعيّة ويصدر حكما ظاهريّا على طبقها بأن يرخّص أو يمنع.
ولا بأس أن نذكر مثلا لذلك : لو فرضنا أنّ المولى تعلّق غرضه بإكرام زيد ، فأنشأ حكما بوجوب إكرام زيد وجعله في عهدة المكلّف ، إلا أنّ المكلّف قد اشتبه عنده زيد ضمن عشرة أفراد لهم نفس الاسم. فهنا نقول : المولى إذا كان اهتمامه بإكرام زيد بدرجة قوية جدّا بحيث لا يسمح بتفويته ، فهو لن يجد ما يحول دون إصدار حكم آخر بإكرام العشرة لكي يتحقّق غرضه من إكرام زيد المشتبه ضمنها. وهذا الحكم الثاني حكم ظاهري لم ينشأ من ملاك ومبادئ في نفس متعلّقه وهو العشرة ، وإنّما ينشأ من مبادئ الحكم الواقعي ومتعلّقه وهو إكرام زيد ، فيكون هذا الحكم الثاني مبرزا لاهتمام المولى ليس إلا ، من دون أن يكون فيه مبادئ في نفس متعلّقه ، بل مبادئه نفس مبادئ الحكم الواقعي المذكور.
وبهذا اتّضح الجواب على الاعتراض الثاني ، وهو أنّ الحكم الظاهري يؤدّي إلى تفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة فإنّ الحكم الظاهري وإن كان قد يسبّب ذلك ، ولكنّه إنّما يسبّبه من أجل الحفاظ على غرض أهمّ.
وبهذا التحليل لحقيقة الحكم الظاهري اتّضح الجواب عن الشبهتين الأولى والثانية :
__________________
(١) وتعبيره بكونها خطابات فيه مسامحة واضحة ؛ لأنّ الأحكام الظاهريّة في الحقيقة تعيّن الأهمّ. وليست خطابات ؛ لأنّ الخطابات هي الحاكية للحكم والتشريع الواقعي.