أما التاريخ الصحيح فيدل على أنه لا أحد من القدماء فيما أعلم ـ لا من السنة ولا من الشيعة ـ قد اتهمه بهذه التهمة المحددة ، وأن قبولهم رواياته في التاريخ تدل على ان ضعفه لم يبلغ الغاية التي يجعلها الباحثان حقيقة مقررة ، وان ذكر اللاحقين منهم للقعقاع وغيره تدل على اطمئنانهم إجمالا إلى رواياته. إن كلام المالكي يدل بوضوح ـ كما قلت أعلاه ـ على أنهم قد وقفوا عند أسماء الصحابة واحداً فواحداً ، ومنهم القعقاع. فهل يعقل عاقل أن ابن أبي حاتم مثلاً ينفي صحبته فقط إذا كان يعتقد انه اسطورة مختلقة أفلا قال عنه شخص خيالي لا وجود له وفي الكلام على سيف يختلق أسماء العشرات من الصحابة والتابعين والمعارك والبلدان ؟
فلو قال قائل : إن جميع العلماء ، على اختلاف مذاهبهم ، منذ عصر الصحابة إلى سنة ١٣٦٩ قد أجمعوا على عدم ادعاء ان القعقاع اسطورة ، فكيف يجيب المالكي على هذا الاعتراض هل يقول كما قال : سكوت بعضهم يدل على انه اسطورة.
أما تفريقه بين المتقدمين والمتاخرين فغير واضح المعالم ، والذي فهمته انه يقسم أهل القرن الثالث إلى قسمين :
فالذين عاشوا في آخره من امثال الطبري وابن أبي حاتم ـ إلى عصرنا ـ متاخرون مخدعون. فإن كان هذا هو المقصود فيجب التصريح به واقامة الدليل على وجود هذا التغير السريع وبيان أسبابه.
على ان الأمور ليست بهذه البساطة ، فالذي يفصل بينه وبين الطبري ورجال طبقته جيلان فقط ، فهما قريبان من عصر سيف ، ولا يخفى عليهما رأي