ولو محصنا كتب التاريخ لما خلا كتاب منها من شيء ينفرد به ، وإذا كان فيها مبالغات أو أخبار ضعيفة أو باطلة أو رجال لا يوثق بروايتهم فلا بأس بالرد عليه وبيان حاله بالأسلوب العلمي الملائم ، من غير حاجة للتهويل والمبالغة وتصوير التاريخ الاسلامي بهذه الصورة البائسة.
ليس هناك ما يمنع من النظر في الحوادث المنسوبة إلى القعقاع وغيره ، فقد تكون المبالغة قد تسربت اليها ، وإذا كان بعضها أو أكثرها باطلا فليكن.
ولكن ذلك لا يعني الشك في أصل وجود الرجال ، كما ان المبالغات والأكاذيب في سيرة عنترة لا تعني الشك في أصل وجوده. ولا يصح أبدا الخلط بين الأمرين.
فإن أراد المالكي أو غيره بحث آحاد الأخبار بالأسلوب العلمي ، واثبات ان القعقاع لم يكن من الصحابة ولم يحضر موقعة كذا ولم يكن أميرا على قرية كذا ولم يتزوج فلانة ـ فالميدان يا حميدان ! ولا ضير من ذلك على الاطلاق ، وهو ما يفعله اصحاب التاريخ قديماً وحديثاً.
(٢٨) سيقول ما قاله فعلا وهو ان القعقاع لم يكن شخصاً عادياً بحيث يجوز ان ينفرد بذكره مؤرخ واحد ، وإنما هو رجل جعله سيف مشهوراً جداً بحيث يستحيل اغفال الآخرين له. لقد ضرب للقعقاع مثالا فقال ( لو وجد أحدنا كتاباً عن المملكة ذكر فيه مؤلفه ان أكبر ثلاث مدن بالمملكة هي الرياض وجدة والحشرة ... فالقعقاع مثل مدينة الحشرة تماماً ). فيجب على ذلك أن يكون سيف جعله ثالث الصحابة في الشهرة ، وإذا تجاوزنا عن المبالغة قلنا انه كان من مشاهير الصحابة. ودرجة شهرة القعقاع مهمة جدا لديه ، لأنه بدونها لا ينفع ولا يفي بالغرض. وقد أوضح هذا المعنى بقوله ( بعض المؤرخين