له. وما ذنب القعقاع ـ وعنترة وجحا والزير سالم وغيرهم ـ إذا كان الرواة قد زادوا في أخبارهم وبالغوا فيهم والواقع ان سيف لم يقل إن القعقاع كان مشهوراً جداً ولا إنه كان من أبرز رجال عصره ، ولا ( أوصله إلى مستوى من الشهرة والبطولة والحكمة والفقه ) ، ولا قال ( البطل المشهور الفصيح الذي تولى امارتين في الصدر الأول !! ) إلى آخر التهاويل ، وإنما ساق أخباراً فقط من نوع فعل كذا وقال كذا ، وليس من الانصاف أن يحاسبه المالكي ـ وهو خصم متحامل ـ على صورة يرسمها هو.
وهذه الصورة لا تخلو من التهويل ، فما وجه الغرابة مثلاً في شجاعته وفصاحته وتأميره على قريتين في العراق وجهل المؤرخين بذلك وباسماء زوجاته وكثير من أخباره ؟
فلم يبق إذن إلاّ شهرة القعقاع في القرن الأول وبعض الثاني ، وأظن أن هذا هو مقصود المالكي. ولست أرى ههنا إلاّ ثلاثة احتمالات :
(١) فإما ان يكون في واقع الأمر من أشهر المشاهير أنذاك.
(٢) وأما أن يكون رجلاً محدود الشهرة.
(٣) وأما ان يكون انسانا لا وجود له فإن كان الاحتمال الأول فلا إشكال وينبغي محاسبة غير سيف من المؤرخين.
وان كان الاحتمال الثاني فلا إشكال لأنه حقيقة لا اسطورة.
وان كان الاحتمال الثالث ـ وهو الاحتمال الصحيح في ذهنه ـ فليست المبالغات في كتاب سيف هي الدليل على انه اسطورة ، لأنه كما قلنا إنما يتهمه باختلاق القعقاع لا بالمبالغة فيه.
فلننصرف إلى تامل مغزى شهرته في كتب جمهور المؤرخين :