وتجاوز في نقده لهم الموضوع الأساسي إلى موضوعات أخرى ، أما هذا الرصيد من النصوص الموثقة والمراجع والمصادر الثمنية التي بلا شك أن الهلابي قد اطلع على كثير منها ولم يفته الوقوف عليها والإلمام بما في أطوائها.
بماذا تعلقون على موقف الهلابي منها ؟
الغريب في الأمر أن الهلابي لا يرى الاعتماد عليها أبداً إذ يقول : ونحن نرى بالمقابل أنه لا يصح أبداً الاعتماد على كتب الفرق والمقالات في دراسة القضايا التاريخية ثم يعلل ذلك قائلا : إذ أن معظمها إن لم تكن كلها كتبت بروح التحامل والتعصب ، وتعوزها الأمانة والتدقيق في صحة ما تنقل بالإضافة إلى الكثير مما فيها من المبالغات والتناقضات.
وهكذا يتجشم د. الهلابي الصعاب مرة أخرى ، بل ثالثة ورابعة ، وهو يجازف بعبارات كان خليقاً به أن يرفع قلمه عنها ، ونحن لا ندعي العصمة لهولاء ولا لغيرهم ولا نبرئ ساحة كتبهم من الأخطاء ، لكن الرفق بالعلماء من سمات العلماء ، وكيف أباح الدكتور لنفسه أن يتهم معظم كتب المقالات أو كلها بالتحامل والتعصب ، ثم هو يحكم عليها كذلك بضعف الأمانة والتدقيق ، وأنها تحوي الكثير من المبالغات والتناقضات !
إذن أي شيء بقى للدكتور يثق به من تراثنا ؟ وهو الذي لم يثق بما كتبه المؤرخون حين اعتبر المتأخرين منهم نقلة مقلدين عن أسلافهم ، وشنع على الاخباريين الذين رووا قصة ابن سبأ واتهمهم بقلة الأمانة وتلفيق القول واختلاف الروايات وحكم بتفردهم بذكر الخبر ولم يرض بالروايات الواردة في الكتب الأخرى فلم يستبعد أن يكون أصل كتاب البلاذري قد تعرض